وَيْنِلَسْ هُوَ وَاقِعُ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقُومُ مَا مَعَاوِنُ التَّنْفِيذِ، فَهُوَ مَا دَامَ وَسِيلَةً بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَلِجْهَتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ جِهَازَ تَوْصِيلٍ مِنَ الْخَلِيفَةِ، وَجِهَازَ تَوْصِيلٍ إِلَى الْخَلِيفَةِ. وَمَعَ كَوْنِهِ جِهَازَ تَوْصِيلٍ فَإِنَّهُ يُلَاحِقُ مَا يَقْتَضِي الْمُلَاحَقَةَ مِنْ أَعْمَالِ جِهَازِ الدَّوْلَةِ.
وَالْخَلِيفَةُ هُوَ الْحَاكِمُ الْفِعْلِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ الْحُكْمَ، وَالتَّنْفِيذَ، وَرِعَايَةَ شُؤُونِ النَّاسِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ دَائِمُ الِاتِّصَالِ بِجِهَازِ الْحُكْمِ، وَبِالْعَلَاقَاتِ الدُّوَلِيَّةِ، وَبِالْأُمَّةِ، وَيَصْدُرُ أَحْكَامًا، وَيَتَّخِذُ قَرَارَاتٍ، وَيَقُومُ بِأَعْمَالِ رِعَايَةٍ، وَيُشْرِفُ عَلَى سَيْرِ جِهَازِ الْحُكْمِ، وَمَا يَعْتَرِضُهُ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ إِلَيْهِ يُرْفَعُ مَا يَرِدُ مِنَ الْأُمَّةِ مِنْ مَطَالِبَ، وَشَكَايَاتٍ، وَشُؤُونٍ، وَهُوَ يُتَابِعُ الْأَعْمَالَ الدُّوَلِيَّةَ. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ وَاقِعِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ أَنْ يَكُونَ مُعَاوِنُ التَّنْفِيذِ وَسِيلَةً فِيهَا، يُؤَدِّيهَا عَنِ الْخَلِيفَةِ، وَيُؤَدِّيهَا إِلَى الْخَلِيفَةِ. وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْخَلِيفَةِ إِلَى الْأَجْهِزَةِ، وَمَا يَرِدُ مِنَ الْأَجْهِزَةِ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَحْتَاجُ إِلَى مُتَابَعَةٍ لِتَنْفِيذِهِ، وَلِهَذَا كَانَ عَلَى مُعَاوِنِ التَّنْفِيذِ أَنْ يَقُومَ بِهَذِهِ الْمُتَابَعَةِ، حَتَّى يَتِمَّ التَّنْفِيذُ، فَيُتَابِعَ الْخَلِيفَةَ، وَيُتَابِعَ الْأَجْهِزَةَ، وَلَا يَكُفَّ عَنِ الْمُتَابَعَةِ إِلَّا إِذَا طَلَبَ الْخَلِيفَةُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْتَثِلَ لِأَمْرِهِ، وَأَنْ يَقِفَ عَنِ الْمُتَابَعَةِ، لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ هُوَ الْحَاكِمُ، وَأَمْرُهُ هُوَ النَّافِذُ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَيْشِ وَالْعَلَاقَاتِ الدُّوَلِيَّةِ فَهَذِهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا السِّرِّيَّةُ، وَهِيَ مِنِ اخْتِصَاصِ الْخَلِيفَةِ. وَلِهَذَا لَا يُلَاحِقُهَا، وَلَا يَتَابِعُ تَنْفِيذَهَا إِلَّا إِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَ شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنَّهُ يُلَاحِقُ مَا طَلَبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَهُ فَقَطْ، وَلَا يُلَاحِقُ غَيْرَهُ.
وَأَمَّا الْعَلَاقَاتُ مَعَ الرَّعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ رِعَايَتُهَا، وَتَنْفِيذِ طَلَبَاتِهَا، وَرَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهَا، فَهِيَ مِنْ شَأْنِ الْخَلِيفَةِ، وَمَنْ يُنِيبُهُ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ مُعَاوِنِ التَّنْفِيذِ، فَلَا يَقُومُ بِالْمُلَاحَقَةِ إِلَّا فِيمَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَهُ مِنْهَا. فَعَمَلُهُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا الْأَدَاءُ، وَلَيْسَ الْمُلَاحَقَةَ. وَهَذَا كُلُّهُ تَبَعًا لِوَاقِعِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا الْخَلِيفَةُ، وَبِالتَّالِي الَّتِي يَقُومُ بِهَا مُعَاوِنُ التَّنْفِيذِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ أَعْمَالِ وَزِيرِ التَّنْفِيذِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ ﷺ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (وَوَزِيرُ التَّنْفِيذِ هُوَ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْكَاتِبِ فِي لُغَةِ الْعَصْرِ):
1- الْعَلَامَاتُ الدُّوَلِيَّةُ. وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ عَلَيْهَا:
• صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ، وَفِيهِ: «فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ الْكَاتِبَ...». وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: «وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ، زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ، وَفِيهِ: وَقَالَ: اكْتُبُوا...» وَلَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الْكَاتِبِ. وَرَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ قَالَ: «وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ... ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: اكْتُبْ...».
وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: «... فَقَالَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ يَا عَلِيُّ...». وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَفِيهِ: «... اكْتُبْ يَا عَلِيُّ...». وَنَصُّ هَذَا الصُّلْحِ مَشْهُورٌ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ هُنَا.
• كِتَابُهُ ﷺ إِلَى هِرَقْلَ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَةَ، وَلَفْظُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ».
• كِتَابُ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَدًّا عَلَى كِتَابِهِ. أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ: «... وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ مُسْلِمٌ...».
وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِدَنَانِيرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَرَأَ الْكِتَابَ: «كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَلَكِنَّهُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ». قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ بَكْرٍ.
• كِتَابُ أَهْلِ مَنَبِجَ إِلَى عُمَرَ وَرَدُّهُ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ:
«وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَهْلَ مَنَبِجَ - قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَرَاءَ الْبَحْرِ - كَتَبُوا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : دَعْنَا نَدْخُلْ أَرْضَكَ تِجَارَةً وَنُعَشِّرْنَا. قَالَ: فَشَاوَرَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِهِ، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ عُشِّرَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ».
الجَيْشُ أَوِ الجُنْدُ. وَمِنْ مُكَاتَبَاتِهِ:
• كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ يَأْمُرُهُ بِالمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: «وَكَانَ خَالِدٌ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ الْحِيرَةَ دَارًا يُقِيمُ فِيهَا، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ مَدَدًا لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْمُسْلِمِينَ...».
• اسْتِمْدَادُ الْأَجْنَادِ بِالشَّامِ وَكِتَابُهُ إِلَيْهِمْ:
رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِيَاضًا الْأَشْعَرِيَّ يَقُولُ: «شَهِدْتُ الْيَرْمُوكَ وَعَلَيْنَا سِتَّةُ أُمَرَاءَ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ حَسْنَةَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعِيَاضٌ، وَلَيْسَ عِيَاضٌ هَذَا بِالَّذِي يُحَدِّثُ سِمَاكًا». قَالَ: «وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ». قَالَ: «فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ وَاسْتَمْدَدْنَاهُ. فَكَتَبَ إِلَيْنَا: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونَ، وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ».
وَالْخَلِيفَةُ هُوَ الْحَاكِمُ الْفِعْلِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ الْحُكْمَ، وَالتَّنْفِيذَ، وَرِعَايَةَ شُؤُونِ النَّاسِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ دَائِمُ الِاتِّصَالِ بِجِهَازِ الْحُكْمِ، وَبِالْعَلَاقَاتِ الدُّوَلِيَّةِ، وَبِالْأُمَّةِ، وَيَصْدُرُ أَحْكَامًا، وَيَتَّخِذُ قَرَارَاتٍ، وَيَقُومُ بِأَعْمَالِ رِعَايَةٍ، وَيُشْرِفُ عَلَى سَيْرِ جِهَازِ الْحُكْمِ، وَمَا يَعْتَرِضُهُ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ إِلَيْهِ يُرْفَعُ مَا يَرِدُ مِنَ الْأُمَّةِ مِنْ مَطَالِبَ، وَشَكَايَاتٍ، وَشُؤُونٍ، وَهُوَ يُتَابِعُ الْأَعْمَالَ الدُّوَلِيَّةَ. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ وَاقِعِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ أَنْ يَكُونَ مُعَاوِنُ التَّنْفِيذِ وَسِيلَةً فِيهَا، يُؤَدِّيهَا عَنِ الْخَلِيفَةِ، وَيُؤَدِّيهَا إِلَى الْخَلِيفَةِ. وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْخَلِيفَةِ إِلَى الْأَجْهِزَةِ، وَمَا يَرِدُ مِنَ الْأَجْهِزَةِ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَحْتَاجُ إِلَى مُتَابَعَةٍ لِتَنْفِيذِهِ، وَلِهَذَا كَانَ عَلَى مُعَاوِنِ التَّنْفِيذِ أَنْ يَقُومَ بِهَذِهِ الْمُتَابَعَةِ، حَتَّى يَتِمَّ التَّنْفِيذُ، فَيُتَابِعَ الْخَلِيفَةَ، وَيُتَابِعَ الْأَجْهِزَةَ، وَلَا يَكُفَّ عَنِ الْمُتَابَعَةِ إِلَّا إِذَا طَلَبَ الْخَلِيفَةُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْتَثِلَ لِأَمْرِهِ، وَأَنْ يَقِفَ عَنِ الْمُتَابَعَةِ، لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ هُوَ الْحَاكِمُ، وَأَمْرُهُ هُوَ النَّافِذُ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَيْشِ وَالْعَلَاقَاتِ الدُّوَلِيَّةِ فَهَذِهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا السِّرِّيَّةُ، وَهِيَ مِنِ اخْتِصَاصِ الْخَلِيفَةِ. وَلِهَذَا لَا يُلَاحِقُهَا، وَلَا يَتَابِعُ تَنْفِيذَهَا إِلَّا إِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَ شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنَّهُ يُلَاحِقُ مَا طَلَبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَهُ فَقَطْ، وَلَا يُلَاحِقُ غَيْرَهُ.
وَأَمَّا الْعَلَاقَاتُ مَعَ الرَّعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ رِعَايَتُهَا، وَتَنْفِيذِ طَلَبَاتِهَا، وَرَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهَا، فَهِيَ مِنْ شَأْنِ الْخَلِيفَةِ، وَمَنْ يُنِيبُهُ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ مُعَاوِنِ التَّنْفِيذِ، فَلَا يَقُومُ بِالْمُلَاحَقَةِ إِلَّا فِيمَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَهُ مِنْهَا. فَعَمَلُهُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا الْأَدَاءُ، وَلَيْسَ الْمُلَاحَقَةَ. وَهَذَا كُلُّهُ تَبَعًا لِوَاقِعِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا الْخَلِيفَةُ، وَبِالتَّالِي الَّتِي يَقُومُ بِهَا مُعَاوِنُ التَّنْفِيذِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ أَعْمَالِ وَزِيرِ التَّنْفِيذِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ ﷺ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (وَوَزِيرُ التَّنْفِيذِ هُوَ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْكَاتِبِ فِي لُغَةِ الْعَصْرِ):
1- الْعَلَامَاتُ الدُّوَلِيَّةُ. وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ عَلَيْهَا:
• صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ، وَفِيهِ: «فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ الْكَاتِبَ...». وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: «وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ، زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ، وَفِيهِ: وَقَالَ: اكْتُبُوا...» وَلَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الْكَاتِبِ. وَرَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ قَالَ: «وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ... ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: اكْتُبْ...».
وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: «... فَقَالَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ يَا عَلِيُّ...». وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَفِيهِ: «... اكْتُبْ يَا عَلِيُّ...». وَنَصُّ هَذَا الصُّلْحِ مَشْهُورٌ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ هُنَا.
• كِتَابُهُ ﷺ إِلَى هِرَقْلَ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَةَ، وَلَفْظُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ».
• كِتَابُ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَدًّا عَلَى كِتَابِهِ. أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ: «... وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ مُسْلِمٌ...».
وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِدَنَانِيرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَرَأَ الْكِتَابَ: «كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَلَكِنَّهُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ». قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ بَكْرٍ.
• كِتَابُ أَهْلِ مَنَبِجَ إِلَى عُمَرَ وَرَدُّهُ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ:
«وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَهْلَ مَنَبِجَ - قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَرَاءَ الْبَحْرِ - كَتَبُوا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : دَعْنَا نَدْخُلْ أَرْضَكَ تِجَارَةً وَنُعَشِّرْنَا. قَالَ: فَشَاوَرَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِهِ، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ عُشِّرَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ».
الجَيْشُ أَوِ الجُنْدُ. وَمِنْ مُكَاتَبَاتِهِ:
• كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ يَأْمُرُهُ بِالمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: «وَكَانَ خَالِدٌ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ الْحِيرَةَ دَارًا يُقِيمُ فِيهَا، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ مَدَدًا لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْمُسْلِمِينَ...».
• اسْتِمْدَادُ الْأَجْنَادِ بِالشَّامِ وَكِتَابُهُ إِلَيْهِمْ:
رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِيَاضًا الْأَشْعَرِيَّ يَقُولُ: «شَهِدْتُ الْيَرْمُوكَ وَعَلَيْنَا سِتَّةُ أُمَرَاءَ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ حَسْنَةَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعِيَاضٌ، وَلَيْسَ عِيَاضٌ هَذَا بِالَّذِي يُحَدِّثُ سِمَاكًا». قَالَ: «وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ». قَالَ: «فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ وَاسْتَمْدَدْنَاهُ. فَكَتَبَ إِلَيْنَا: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونَ، وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ».
0 komentar:
Posting Komentar