وأمَّا التَّجْنِيْدُ وَهُوَ جَعْلُ النَّاسِ جُنُوْدًا فِي الْجَيْشِ، ه ه ه تَحْتَ السِّلَاحِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ، ه ه ه فَإِنَّهُ يَعْنِي إِيْجَادَ مُجَاهِدِيْنَ قَائِمِيْنَ فِعْلًا بِالْجِهَادِ، ه ه ه وَبِمَا يَتَطَلَّبُهُ الْجِهَادُ، وَهَذَا فَرْضٌ؛ ه ه ه لِأَنَّ الْقِيَامَ بِالْجِهَادِ فَرْضٌ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ، ه ه ه سَوَاءٌ هَاجَمَنَا الْعَدُوُّ أَمْ لَمْ يُهَاجِمْنَا. ه ه ه وَمِنْ هُنَا كَانَ التَّجْنِيْدُ فَرْضًا دَاخِلًا فِي حُكْمِ الْجِهَادِ. ه ه ه
...
أَمَّا تَحْدِيْدُ الْعُمُرِ بِخَمْسِ عَشْرَةَ سَنَةً، ه ه ه فَلِلْحَدِيْثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيْقِ نَافِعٍ قَالَ: ه ه ه «حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ ﷺ، ه ه ه عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، ه ه ه ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» ه ه ه قَالَ نَافِعٌ: (فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ وَهُوَ خَلِيْفَةٌ، ه ه ه فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيْثَ، فَقَالَ: ه ه ه إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيْرِ وَالْكَبِيْرِ، ه ه ه وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يُفْرَضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ). ه ه ه أَيْ يُقَدِّرُوا لَهُمْ رِزْقًا فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ. ه ه ه
...
وَهَذَا مَا نَتَبَنَّاهُ، ه ه ه وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَلَغَ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ فَإِنَّ عَلَيْهِ التَّدَرُّبَ عَلَى الْجُنْدِيَّةِ. ه ه ه
...
أَقْسَامُ الْجَيْشِ //
...
الْجَيْشُ قِسْمَانِ: // قِسْمٌ احْتِيَاطِيٌّ، // وَهُمْ جَمِيعُ الْقَادِرِينَ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، // وَقِسْمٌ دَائِمٌ فِي الْجُنْدِيَّةِ // تُخَصَّصُ لَهُمْ رَوَاتِبُ فِي مِيزَانِيَّةِ الدَّوْلَةِ كَالْمُوَظَّفِينَ. //
...
وَهَذَا آتٍ مِنْ فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ، // فَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فُرِضَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، // وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَدَرَّبَ لَهُ؛ // وَلِذَلِكَ يَكُونُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ جَيْشًا احْتِيَاطِيًّا؛ // لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ. // وَأَمَّا جَعْلُ قِسْمٍ مِنْهُمْ دَائِمًا فِي الْجُنْدِيَّةِ، // فَإِنَّ دَلِيلَهُ هُوَ قَاعِدَةُ «مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ»؛ // لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْقِيَامُ بِفَرْضِ الْجِهَادِ دَائِمًا، // وَبِحِمَايَةِ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَذِمَارِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْكُفَّارِ، // إِلَّا بِوُجُودِ جَيْشٍ دَائِمٍ؛ // وَمِنْ هُنَا كَانَ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوجِدَ جَيْشًا دَائِمًا. //
...
وَأَمَّا أَنْ تُخَصَّصَ لِهَؤُلَاءِ الْجُنُودِ رَوَاتِبُ كَالْمُوَظَّفِينَ، // فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَمْرٌ ظَاهِرٌ؛ // لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُطَالَبُ بِالْجِهَادِ، // وَلَكِنْ إِنْ قَامَ بِهِ يُقْبَلُ مِنْهُ، // وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَالًا // لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ: // «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، أَسْهَمَ لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ»، // وَلِمَا رَوَى ابْنُ هِشَامٍ: // «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، إِلَى حُنَيْنٍ، // وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، // فَأَعْطَاهُ مَعَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ». //
...
وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ مَعَ الْجَيْشِ الْإِسْلَامِيِّ، // وَأَنْ يُعْطَى لَهُ مَالٌ؛ // لِوُجُودِهِ فِي الْجَيْشِ. // وَأَيْضًا فَإِنَّ تَعْرِيفَ الْإِجَارَةِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ // يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْفَعَةٍ // يُمْكِنُ لِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاؤُهَا مِنَ الْأَجِيرِ، // فَيَدْخُلُ فِيهَا اسْتِئْجَارُ الشَّخْصِ لِلْجُنْدِيَّةِ، // وَلِلْقِتَالِ؛ // لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ. // فَيَكُونُ عُمُومُ دَلِيلِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَيِّ مَنْفَعَةٍ مِنَ الْمَنَافِعِ // دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْكَافِرِ لِلْجُنْدِيَّةِ وَلِلْقِتَالِ. //
...
هٰذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ. // وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ؛ // فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ عِبَادَةً، // فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ لِلْجُنْدِيَّةِ وَالْقِتَالِ؛ // لِدَلِيلِ الْإِجَارَةِ الْعَامِّ، // وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْقِيَامِ بِالْعِبَادَةِ -إِنْ كَانَتْ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فَاعِلَهُ- جَائِزَةٌ؛ // لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: // «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ» // رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ. // وَتَعْلِيمُ كِتَابِ اللهِ عِبَادَةٌ، // فَكَمَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِينَ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، // وَلِلْإِمَامَةِ، // وَالْأَذَانِ، // وَهِيَ عِبَادَاتٌ، // كَذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِلْجِهَادِ، // وَلِلْجُنْدِيَّةِ، // فَكُلُّهَا عِبَادَاتٌ يَتَعَدَّى نَفْعُهَا فَاعِلَهَا. // عَلَى أَنَّ جَوَازَ اسْتِئْجَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْجِهَادِ، // حَتَّى لِمَنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، // قَدْ وَرَدَ دَلِيلُهُ فِي الْحَدِيثِ صَرَاحَةً، // فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو // أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، // قَالَ: // «لِلْغَازِي أَجْرُهُ، // وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجْرُ الْغَازِي»، // وَالْغَازِي هُوَ الَّذِي يَغْزُو بِنَفْسِهِ، // وَالْجَاعِلُ هُوَ الَّذِي يَغْزُو عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَجْرٍ، // قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمُحِيطِ: // (وَالْجُعَالَةُ مُثَلَّثَةٌ مَا جُعِلَ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ، // وَتَجَاعَلُوا الشَّيْءَ جَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، // وَمَا تَجَعَّلَ لِلْغَازِي إِذَا غَزَا عَنْكَ بِجُعْلٍ) // فَالْحَدِيثُ يُبَيِّنُ جَوَازَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ (أُجْرَةً) لِآخَرَ لِيَغْزُوَ عَنْهُ، // أَيْ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ لِلْغَزْوِ. // وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: // قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: // «مِثْلُ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِي، // وَيَأْخُذُونَ الْجُعْلَ، // وَيَتَقَوَّوْنَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، // مِثْلُ أُمِّ مُوسَى، // تُرْضِعُ وَلَدَهَا، // وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا» // وَالْأَجْرُ هُنَا مَعْنَاهُ الْأُجْرَةُ. // وَمِنْ هُنَا يُجْعَلُ لِلْجُنُودِ رَوَاتِبُ كَالْمُوَظَّفِينَ. //
...
وَالجُنُودُ المُسلِمُونَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ اللهِ فِي جِهَادِهِمْ حَتَّى وَإِنْ أَخَذُوا رَاتِبًا؛ ااا وَذٰلِكَ لِحَدِيثِ البُخَارِيِّ السَّابِقِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ وَهُوَ عِبَادَةٌ، ااا أَيْ فِيهِ أَجْرٌ عِندَ اللهِ سُبْحَانَهُ حَسْبَ نِيَّةِ المُدَرِّسِ لِكِتَابِ اللهِ. ااا
...
وَيُجْعَلُ الجَيْشُ الإِسْلَامِيُّ جَيْشًا وَاحِدًا مُؤَلَّفًا مِنْ عِدَّةِ جُيُوشٍ، ااا وَيُوضَعُ لِكُلِّ جَيْشٍ مِنْ هٰذِهِ الجُيُوشِ رَقْمٌ، ااا فَيُقَالُ: الجَيْشُ الأَوَّلُ، ااا الجَيْشُ الثَّالِثُ مِثْلًا، ااا أَوْ يُسَمَّى بِاسْمِ وِلَايَةٍ مِنَ الوِلَايَاتِ، ااا أَوْ عِمَالَةٍ مِنَ العِمَالَاتِ، ااا فَيُقَالُ: جَيْشُ الشَّامِ، ااا جَيْشُ مِصْرَ، ااا جَيْشُ صَنْعَاءَ مِثْلًا. ااا
...
وَيُوضَعُ الجَيْشُ الإِسْلَامِيُّ فِي مُعَسْكَرَاتٍ خَاصَّةٍ، ااا فَتُوضَعُ فِي كُلِّ مُعَسْكَرٍ مِنْهَا مَجْمُوعَةٌ مِنَ الجُنْدِ، ااا إِمَّا جَيْشًا وَاحِدًا، ااا أَوْ قِسْمًا مِنْ جَيْشٍ، ااا أَوْ عِدَّةَ جُيُوشٍ. ااا إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تُوضَعَ هٰذِهِ المُعَسْكَرَاتُ فِي مُخْتَلَفِ الوِلَايَاتِ، ااا وَبَعْضُهَا فِي قَوَاعِدَ عَسْكَرِيَّةٍ، ااا وَيُجْعَلَ بَعْضُهَا مُعَسْكَرَاتٍ مُتَنَقِّلَةً تَنَقُّلًا دَائِمِيًّا، ااا تَكُونُ قُوَّاتٍ ضَارِبَةً، ااا وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مُعَسْكَرٍ مِنْهَا اِسْمٌ خَاصٌّ، ااا كَمُعَسْكَرِ الحَبَّانِيَّةِ مِثْلًا، ااا وَتَكُونُ لِكُلِّ مُعَسْكَرٍ رَايَةٌ خَاصَّةٌ. ااا
...
هٰذِهِ التَّرْتِيبَاتُ، ااا إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَ المُبَاحَاتِ كَتَسْمِيَةِ الجُيُوشِ بِأَسْمَاءِ الوِلَايَاتِ، ااا أَوْ بِأَرْقَامٍ مُعَيَّنَةٍ، ااا فَتُتْرَكُ لِرَأْيِ الخَلِيفَةِ وَاجْتِهَادِهِ، ااا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، ااا كَأَنْ تَكُونَ لَابُدَّ مِنْهَا لِحِمَايَةِ البِلَادِ، ااا كَتَرْتِيبَاتِ الجَيْشِ فِي الثُّغُورِ، ااا وَوَضْعِ الجَيْشِ فِي مُعَسْكَرَاتٍ فِي الأَمْكِنَةِ الِاسْتِرَاتِيجِيَّةِ لِحِمَايَةِ البِلَادِ… ااا وَنَحْوِ ذٰلِكَ. ااا
...
وَقَسَّمَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ مُعَسْكَرَاتِ الجَيْشِ عَلَى الوِلَايَاتِ، ااا فَصَيَّرَ فِلَسْطِينَ جُنْدًا (فَيْلَقًا) ااا وَالمَوْصِلَ جُنْدًا، ااا وَكَانَ يَجْعَلُ فِي مَرْكَزِ الدَّوْلَةِ جُنْدًا، ااا وَيَجْعَلُ لَدَيْهِ جَيْشًا فِي مَوْقِعٍ حَصِينٍ يَكُونُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلْقِتَالِ عِنْدَ أَوَّلِ إِشَارَةٍ. ااا
...
**الخَلِيفَةُ هُوَ قَائِدُ الجَيْشِ**
...
الخَلِيفَةُ هُوَ قَائِدُ الجَيْشِ، ااا وَهُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ رَئِيسَ الأَرْكَانِ، ااا وَهُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ لِكُلِّ لِوَاءٍ أَمِيرًا، ااا وَلِكُلِّ فِرْقَةٍ قَائِدًا. ااا أَمَّا بَاقِي رُتَبِ الجَيْشِ فَيُعَيِّنُهُمْ قُوَّادُهُ وَأُمَرَاءُ أَلْوِيَتِهِ. ااا وَأَمَّا تَعْيِينُ الشَّخْصِ فِي الأَرْكَانِ فَيَكُونُ حَسَبَ دَرَجَةِ ثَقَافَتِهِ الحَرْبِيَّةِ، ااا وَيُعَيِّنُهُ رَئِيسُ الأَرْكَانِ. ااا
...
وَذٰلِكَ أَنَّ الخِلَافَةَ رِيَاسَةٌ عَامَّةٌ لِلمُسْلِمِينَ جَمِيعًا فِي الدُّنْيَا؛ ااا لِإِقَامَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، ااا وَحَمْلِ الدَّعْوَةِ إِلَى العَالَمِ. ااا وَالطَّرِيقَةُ الأَسَاسُ لِحَمْلِ الدَّعْوَةِ إِلَى العَالَمِ هِيَ الجِهَادُ، ااا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى هُوَ، ااا أَيْ الخَلِيفَةُ، ااا الجِهَادَ؛ ااا لِأَنَّ عَقْدَ الخِلَافَةِ وَقَعَ عَلَى شَخْصِهِ، ااا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بِهِ غَيْرُهُ؛ ااا لِذٰلِكَ كَانَ تَوَلِّي أُمُورِ الجِهَادِ خَاصًّا بِالخَلِيفَةِ، ااا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بِهِ غَيْرُهُ، ااا وَإِنْ كَانَ يَقُومُ بِالجِهَادِ كُلُّ مُسْلِمٍ. ااا فَالقِيَامُ بِالجِهَادِ شَيْءٌ، ااا وَتَوَلِّي الجِهَادِ شَيْءٌ آخَرُ. ااا فَالجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، ااا وَلَكِنَّ تَوَلِّي الجِهَادِ إِنَّمَا هُوَ لِلْخَلِيفَةِ لَيْسَ غَيْرُ. ااا
...
أَمَّا إِنَابَةُ الخَلِيفَةِ مَنْ يَقُومُ عَنْهُ فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ، ااا فَإِنَّ ذٰلِكَ جَائِزٌ تَحْتَ إِطْلَاعِهِ وَبِإِشْرَافِهِ، ااا وَلَيْسَ جَائِزًا بِشَكْلٍ مُطْلَقٍ مَعَ الِاسْتِقْلَالِ دُونَ إِطْلَاعِهِ، ااا وَمِنْ غَيْرِ إِشْرَافِهِ. ااا وَإِطْلَاعُ الخَلِيفَةِ هُنَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ المُطَالَعَةِ الَّتِي لِلمُعَاوِنِ، ااا بَلْ إِطْلَاعُهُ هُنَا هُوَ أَنْ تَكُونَ مُبَاشَرَةُ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ تَحْتَ تَوَلِّيهِ هُوَ، ااا وَبِإِشْرَافٍ مِنْهُ. ااا وَقِيَادَةُ الجَيْشِ بِهٰذَا القَيْدِ، ااا أَيْ تَحْتَ نَظَرِ الخَلِيفَةِ وَبِإِشْرَافِهِ، ااا يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهَا مَنْ يَشَاءُ، ااا أَمَّا تَوَلِّيهَا دُونَ إِشْرَافِهِ، ااا وَدُونَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ نَظَرِهِ إِلَّا بِشَكْلٍ اِسْمِيٍّ فَلَا يَجُوزُ؛ ااا لِأَنَّ عَقْدَ الخِلَافَةِ وَقَعَ عَلَى شَخْصِهِ، ااا فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَ الجِهَادِ. ااا
...
وَلِهٰذَا فَإِنَّ مَا يُقَالُ فِي الأَنْظِمَةِ الأُخْرَى غَيْرِ الإِسْلَامِيَّةِ مِنْ أَنَّ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ هُوَ القَائِدُ الأَعْلَى لِلْجَيْشِ، ااا فَيَجْعَلُ قَائِدًا شَكْلًا، ااا وَيُعَيِّنُ قَائِدًا يَسْتَقِلُّ بِالجَيْشِ، ااا يُعْتَبَرُ بَاطِلًا فِي نَظَرِ الإِسْلَامِ، ااا وَهُوَ كَلَامٌ لَا يُقِرُّهُ الشَّرْعُ، ااا بَلِ الشَّرْعُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَائِدُ الجَيْشِ الفِعْلِيُّ هُوَ الخَلِيفَةَ. ااا
...
أَمَّا غَيْرُ القِيَادَةِ مِنَ الأُمُورِ الفَنِّيَّةِ أَوِ الإِدَارِيَّةِ أَوْ غَيْرِ ذٰلِكَ، ااا فَإِنَّ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ لَهَا مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ، ااا وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ نَظَرِهِ الفِعْلِيِّ كَالقِيَادَةِ. ااا
...
ثُمَّ إِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ااا كَانَ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ قِيَادَةَ الجَيْشِ الفِعْلِيَّةَ، ااا وَكَانَ يَتَوَلَّى قِيَادَةَ المَعَارِكِ، ااا وَكَانَ يُعَيِّنُ قُوَّادًا عَلَى فُرَقِ الجَيْشِ الَّتِي تَخْرُجُ لِلْقِتَالِ، ااا دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَعَهَا، ااا وَهِيَ السَّرَايَا، ااا وَكَانَ يُوَلِّي عَلَى كُلِّ سَرِيَّةٍ قَائِدًا، ااا وَكَانَ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ يَحْتَاطُ فِي تَعْيِينِ مَنْ يَخْلُفُهُ إِنْ قُتِلَ، ااا كَمَا حَصَلَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، ااا فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
...
«أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ااا فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. ااا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ااا إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ، ااا فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ».
...
فَالخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ قَائِدَ الجَيْشِ، ااا وَهُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ أُمَرَاءَ أَلْوِيَتِهِ، ااا وَيَعْقِدُ لَهُمُ اللِّوَاءَ، ااا وَيُعَيِّنُ قُوَّادَ الفِرَقِ، ااا فَإِنَّ الجَيْشَ الَّذِي كَانَ يُرْسَلُ إِلَى الشَّامِ، ااا كَجَيْشِ مُؤْتَةَ، ااا وَجَيْشِ أُسَامَةَ، ااا كَانَ لِوَاءً، ااا بِدَلِيلِ عَقْدِ الرَّسُولِ لِأُسَامَةَ اللِّوَاءَ، ااا وَالسَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ تُحَارِبُ فِي الجَزِيرَةِ وَتَرْجِعُ، ااا كَسَرِيَّةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الَّتِي أَرْسَلَهَا نَحْوَ مَكَّةَ، ااا كَانَتْ بِمَثَابَةِ فِرْقَةٍ، ااا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُمَرَاءَ الأَلْوِيَةِ، ااا وَقُوَّادَ الفِرَقِ، ااا يُعَيِّنُهُمُ الخَلِيفَةُ.
...
أَمَّا غَيْرُ أُمَرَاءِ الجُيُوشِ، ااا وَقُوَّادِ السَّرَايَا، ااا فَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ الرَّسُولِ أَنَّهُ عَيَّنَهُمْ، ااا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ أَمْرَ تَعْيِينِهِمْ فِي الغَزْوَةِ إِلَى رُؤَسَائِهِمْ.
...
وَأَمَّا رَئِيسُ الأَرْكَانِ، ااا وَهُوَ المَسْؤُولُ عَنِ الأُمُورِ الفَنِّيَّةِ، ااا فَإِنَّهُ كَقَائِدِ الجَيْشِ، ااا يُعَيِّنُهُ الخَلِيفَةُ، ااا وَيَقُومُ بِعَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَلِّي الخَلِيفَةِ المُبَاشِرِ لَهُ، ااا وَإِنْ كَانَ تَحْتَ أَمْرِ الخَلِيفَةِ.
...
...
...
############################################# وَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُسْلِمِينَ، بِأَنْ جَعَلَهُمْ حَمَلَةَ رِسَالَةِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ، وَحَدَّدَ لَهُمْ طَرِيقَةَ حَمْلِهِ بِالدَّعْوَةِ وَالْجِهَادِ، وَجَعَلَ الْجِهَادَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ، وَالتَّدْرِيبَ عَلَى الْجُنْدِيَّةِ وَاجِبًا
...
فَكُلُّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَبْلُغُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ فَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَتَدَرَّبَ عَلَى الْجُنْدِيَّةِ اسْتِعْدَادًا لِلْجِهَادِ. وَأَمَّا التَّجْنِيدُ فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ
...
وَأَدِلَّةُ التَّدْرِيبِ عَلَى الْجُنْدِيَّةِ هِيَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ} [١٩٣:٠٠١]، وَقَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ. وَلَمَّا كَانَ الْقِتَالُ الْيَوْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَدْرِيبٍ عَسْكَرِيٍّ حَتَّىٰ يَتَأَتَّى الْقِيَامُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا مِنْ قَهْرِ الْعَدُوِّ، وَفَتْحِ الْبُلْدَانِ، كَانَ هَذَا التَّدْرِيبُ فَرْضًا كَالْجِهَادِ، عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ «مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ»؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْقِتَالِ يَشْمَلُهَا، إِذْ هُوَ عَامٌّ: {وَقَاتِلُوهُمْ}، فَهُوَ أَمْرٌ بِالْقِتَالِ، وَأَمْرٌ بِمَا يُمَكِّنُ مِنَ الْقِتَالِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَىٰ يَقُولُ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِّنْ} [٠٦٠:٠٠٨]، وَالتَّدْرِيبُ وَالْخِبْرَةُ الْعَسْكَرِيَّةُ الْعَالِيَةُ هِيَ مِنَ الْإِعْدَادِ لِلْقُوَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْ تَوَفُّرِهَا لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الْقِتَالِ، فَهِيَ مِنَ الْقُوَّةِ الَّتِي تُعَدُّ كَالْعَتَادِ وَالْمُهِمَّاتِ وَنَحْوِهَا
...
رَابِعًا: الْوُلَاةُ
...
وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ وَالِيًا وِلَايَةً عَامَّةً، وَأَنْ يُعَيِّنَ وَالِيًا وِلَايَةً خَاصَّةً، إِلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ أَيَّامَ ضَعْفِ الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيِّينَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ مَكَّنَتْ مِنِ اسْتِقْلَالِ الْوِلَايَاتِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلْخَلِيفَةِ عَلَيْهَا مِنْ سُلْطَةٍ سِوَى الدُّعَاءِ بِاسْمِهِ، وَسَكِّ النُّقُودِ بِاسْمِهِ، وَمِنْ هُنَا فَقَدْ سَبَّبَ إِعْطَاءُ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ ضَرَرًا لِلدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى الْوَالِي وِلَايَةً عَامَّةً، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى وِلَايَةً خَاصَّةً، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ وَخَطَرٍ عَلَى الدَّوْلَةِ؛ لِذَلِكَ نَتَبَنَّى تَوْلِيَةَ الْوَالِي وِلَايَةً خَاصَّةً فِيمَا عَدَا الْأُمُورِ الَّتِي تُمَكِّنُ الْوَالِي، إِنْ ضَعُفَتْ تَقْوَاهُ، مِنَ الِاسْتِقْلَالِ عَنِ الْخَلِيفَةِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ، مِنِ اسْتِقْرَاءِ الْوَاقِعِ، هِيَ الْجَيْشُ وَالْقَضَاءُ وَالْمَالُ، فَتُجْعَلُ هَذِهِ أَجْهِزَةً مُنْفَصِلَةً تَتْبَعُ الْخَلِيفَةَ كَأَيِّ جِهَازٍ آخَرَ مِنْ أَجْهِزَةِ دَوْلَةِ الْخِلَافَةِ، أَيْ مُسْتَقِلَّةً عَنِ الْوَالِي.
وَلَا يُنْقَلُ الْوَالِي مِنْ وِلَايَةٍ إِلَى وِلَايَةٍ، وَلَكِنْ يُعْفَى وَيُوَلَّى ثَانِيَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ يَعْزِلُ الْوُلَاةَ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ نَقَلَ وَالِيًا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوِلَايَةَ عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ تَتِمُّ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ، وَفِي عَقْدِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْإِقْلِيمِ أَوِ الْبَلَدِ يُحَدَّدُ الْمَكَانُ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِ الْوَالِي، وَتَظَلُّ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْحُكْمِ فِيهِ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ الْخَلِيفَةُ، فَإِذَا لَمْ يَعْزِلْهُ عَنْهُ ظَلَّ وَالِيًا عَلَيْهِ، فَإِذَا نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِ نَقْلًا لَمْ يُعْزَلْ عَنْ مَكَانِهِ الْأَوَّلِ بِهَذَا النَّقْلِ، وَلَمْ يُوَلَّ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي نُقِلَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَصْلَهُ عَنِ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ يَحْتَاجُ إِلَى لَفْظٍ صَرِيحٍ بِالْعَزْلِ عَنِ الْوِلَايَةِ عَنْهُ، وَتَوْلِيَتِهِ لِلْمَكَانِ الَّذِي نُقِلَ إِلَيْهِ تَحْتَاجُ إِلَى عَقْدِ تَوْلِيَةٍ جَدِيدٍ خَاصٍّ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، وَمِنْ هُنَا أُخِذَ أَنَّ الْوَالِي لَا يُنْقَلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ نَقْلًا، وَإِنَّمَا يُعْزَلُ عَنِ الْمَكَانِ، وَيُوَلَّى وِلَايَةً جَدِيدَةً لِلْمَكَانِ الْجَدِيدِ.
______________________
**عَلَى الْخَلِيفَةِ أَنْ يَتَحَرَّى أَعْمَالَ الْوُلَاةِ:**
وَعَلَى الْخَلِيفَةِ أَنْ يَتَحَرَّى أَعْمَالَ الْوُلَاةِ، وَأَنْ يَكُونَ شَدِيدَ الْمُرَاقَبَةِ لَهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، أَمْ بِتَعْيِينِ مَنْ يُنِيبُ عَنْهُ لِلْكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِمْ. وَكَذَلِكَ فَإِنَّ لِلْمُعَاوِنِ مُرَاقَبَةَ أَعْمَالِ الْوُلَاةِ فِي الْوِلَايَاتِ الَّتِي هُوَ مُعَاوِنٌ فِيهَا، وَأَنْ يُطَالِعَ الْخَلِيفَةَ بِمَا يَرَاهُ مِنْ حَالِهِمْ، أَوْ بِمَا أَمْضَاهُ مِنْ تَدْبِيرٍ تِجَاهَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ سَابِقًا فِي عَمَلِ مُعَاوِنِ التَّفْوِيضِ. وَهَكَذَا يَكُونُ الْخَلِيفَةُ مُطَّلِعًا عَلَى أَحْوَالِ الْوُلَاةِ، مُتَابِعًا لِأَمْرِهِمْ. كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَهُمْ أَوْ قِسْمًا مِنْهُمْ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ، وَأَنْ يُصْغِيَ إِلَى شَكَاوَى الرَّعِيَّةِ مِنْهُمْ.
**فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يَخْتَبِرُ الْوُلَاةَ حِينَ يُوَلِّيهِمْ كَمَا فَعَلَ مَعَ مُعَاذٍ وَمَعَ أَبِي مُوسَى، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ كَيْفَ يَسِيرُونَ كَمَا فَعَلَ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَيُنَبِّهُهُمْ إِلَى بَعْضِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ كَمَا فَعَلَ مَعَ أَبَانَ بْنِ سَعِيدٍ حِينَ وَلَّاهُ الْبَحْرَيْنَ إِذْ قَالَ لَهُ: «اسْتَوْصِ بِعَبْدِ قَيْسٍ خَيْرًا وَأَكْرِمْ سَرَاتَهُمْ»، فَإِنَّهُ كَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يُحَاسِبُ الْوُلَاةَ، وَيَكْشِفُ عَنْ حَالِهِمْ، وَيَسْمَعُ مَا يُنْقَلُ إِلَيْهِ مِنْ أَخْبَارِهِمْ. وَكَانَ يُحَاسِبُ الْوُلَاةَ عَلَى الْمُسْتَخْرَجِ وَالْمَصْرِفِ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا الَّذِي لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَبَيْتِ أُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا.. الْحَدِيثَ». وَكَانَ عُمَرُ شَدِيدَ الْمُرَاقَبَةِ لِلْوُلَاةِ، وَقَدْ عَيَّنَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لِلْكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ يَجْمَعُ الْوُلَاةَ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ لِيَنْظُرَ فِيمَا عَمِلُوهُ، وَلِيُصْغِيَ إِلَى شَكَاوَى الرَّعِيَّةِ مِنْهُمْ، وَلِيَتَذَاكَرَ مَعَهُمْ فِي شُؤُونِ الْوِلَايَةِ، وَلِيَعْرِفَ أَحْوَالَهُمْ. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِمَنْ حَوْلَهُ: «أَرَأَيْتُمْ إِذَا اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ خَيْرَ مَنْ أَعْلَمُ ثُمَّ أَمَرْتُهُ بِالْعَدْلِ، أَكُنْتُ قَضَيْتُ الَّذِي عَلَيَّ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَا، حَتَّى أَنْظُرَ فِي عَمَلِهِ، أَعَمِلَ بِمَا أَمَرْتُهُ بِهِ أَمْ لَا». وَكَانَ شَدِيدَ الْحِسَابِ لِوُلَاتِهِ وَعُمَّالِهِ، وَبَلَغَ مِنْ شِدَّتِهِ فِي مُحَاسَبَتِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ أَحَدَهُمْ أَحْيَانًا لِشُبْهَةٍ لَا يَقْطَعُ بِهَا دَلِيلٌ، وَقَدْ يَعْزِلُ لِرِيبَةٍ لَا تَبْلُغُ حَدَّ الشُّبْهَةِ. وَلَقَدْ سُئِلَ فِي ذَلِكَ يَوْمًا فَقَالَ: «هَانَ شَيْءٌ أُصْلِحُ بِهِ قَوْمًا أَنْ أُبَدِّلَهُمْ أَمِيرًا مَكَانَ أَمِيرٍ». غَيْرَ أَنَّهُ مَعَ شِدَّتِهِ عَلَيْهِمْ كَانَ يُطْلِقُ أَيْدِيَهُمْ، وَيُحَافِظُ عَلَى هَيْبَتِهِمْ فِي الْحُكْمِ، وَكَانَ يَسْمَعُ مِنْهُمْ، وَيُصْغِي إِلَى حُجَجِهِمْ، فَإِذَا أَقْنَعَتْهُ الْحُجَّةُ لَمْ يُخْفِ اقْتِنَاعَهُ بِهَا، وَثَنَاءً عَلَى عَامِلِهِ بَعْدَهَا. وَقَدْ بَلَغَهُ يَوْمًا أَنَّ عَامِلَهُ عَلَى حِمْصَ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ حِمْصَ: «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ مَنِيعًا مَا اشْتَدَّ السُّلْطَانُ. وَلَيْسَتْ شِدَّةُ السُّلْطَانِ قَتْلًا بِالسَّيْفِ أَوْ ضَرْبًا بِالسَّوْطِ، وَلَكِنْ قَضَاءً بِالْحَقِّ وَأَخْذًا بِالْعَدْلِ». فَقَالَ عُمَرُ فِيهِ: «وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ لِي رَجُلًا مِثْلَ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ أَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ».
**الجِهَادُ**
الجِهَادُ هُوَ ذُرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ، وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الأَسَاسُ الَّتِي وَضَعَهَا الإِسْلَامُ لِحَمْلِ الدَّعْوَةِ الإِسْلَامِيَّةِ إِلَى الْخَارِجِ. وَحَمْلُ الدَّعْوَةِ الإِسْلَامِيَّةِ يُعَدُّ العَمَلَ الأَصْلِيَّ لِلدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ بَعْدَ تَطْبِيقِهَا أَحْكَامَ الإِسْلَامِ فِي الدَّاخِلِ.
وَلِأَنَّ الجِهَادَ هُوَ القِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَالقِتَالَ يَحْتَاجُ إِلَى جَيْشٍ، وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ إِعْدَادٍ وَتَكْوِينٍ لِقِيَادَاتِهِ وَلِأَرْكَانِ حَرْبِهِ وَضُبَّاطِهِ وَجُنُودِهِ، كَمَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّدْرِيبِ وَالتَّمْوِينِ وَالإِمْدَادِ، وَالجَيْشُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ سِلَاحٍ، وَالسِّلَاحُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ صِنَاعَةٍ؛ لِذَلِكَ كَانَتِ الصِّنَاعَةُ مِنْ لَوَازِمِ الجَيْشِ، وَلَوَازِمِ الجِهَادِ. وَهَذَا الَّذِي يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الصِّنَاعَةُ فِي جَمِيعِ المَصَانِعِ فِي الدَّوْلَةِ مَبْنِيَّةً عَلَى أَسَاسِ الصِّنَاعَةِ الحَرْبِيَّةِ.
وَكَذَٰلِكَ فَإِنَّ اسْتِقْرَارَ الوَضْعِ الدَّاخِلِيِّ يَشُدُّ مِنْ عَزِيمَةِ الجَيْشِ فِي القِتَالِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الوَضْعُ الدَّاخِلِيُّ غَيْرَ آمِنٍ وَغَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، فَإِنَّهُ سَيُشْغِلُ الجَيْشَ بِضَبْطِهِ قَبْلَ تَوَجُّهِهِ لِلْجِهَادِ، وَحَتَّىٰ لَوْ تَوَجَّهَ لِلْجِهَادِ، وَاضْطَرَبَ الأَمْنُ الدَّاخِلِيُّ خَلْفَهُ، فَإِنَّ هَذَا سَيُضْعِفُ مِنْ قُدْرَةِ الجَيْشِ عَلَى الاسْتِمْرَارِ بِالْقِتَالِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ العَلَاقَاتِ الخَارِجِيَّةِ مَعَ الدُّوَلِ مَحْوَرُهَا الأَسَاسِ حَمْلُ الدَّعْوَةِ الإِسْلَامِيَّةِ.
لِكُلِّ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الدَّوَائِرَ الأَرْبَعَ: الجَيْشُ وَالأَمْنُ الدَّاخِلِيُّ وَالصِّنَاعَةُ وَالخَارِجِيَّةُ، يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ دَائِرَةً وَاحِدَةً يُعَيَّنُ لَهَا الخَلِيفَةُ أَمِيرًا؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ صِلَةٍ بِالْجِهَادِ.
إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ كَذَٰلِكَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الدَّوَائِرُ مُنفَصِلَةً، فَيُعَيِّنُ الخَلِيفَةُ لِكُلٍّ. دَائِرَةً مُدِيرًا، وَلِلْجَيْشِ أَمِيرًا وَقَائِدًا، حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَيِّنُ أُمَرَاءَ لِلْجُيُوشِ فِي الْغَزَوَاتِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَأْنٌ فِي الصِّنَاعَةِ، بَلْ كَانَ الرَّسُولُ ﷺ يُكَلِّفُ آخَرِينَ لَهَا. وَكَذَٰلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمْنِ الدَّاخِلِيِّ مِنْ حَيْثُ الشُّرْطَةِ وَالْعَسَّسِ وَمُعَالَجَةِ أَمْرِ قِطَاعِ الطُّرُقِ وَاللُّصُوصِ ... وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي العَلَاقَاتِ الدَّوْلِيَّةِ، وَكَتَبَ الرَّسُولُ ﷺ إِلَى الْمُلُوكِ وَالْحُكَّامِ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ ذَاتَ دِلَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ ثَبَتَ انْفِصَالُ هَذِهِ الدَّوَائِرِ بِمَسْؤُولٍ لِكُلٍّ مِنْهَا بِالْأَدِلَّةِ التَّالِيَةِ:
**أَوَّلاً: الجَيْشُ:**
. لَقَدْ أَرْسَلَ الرَّسُولُ ٱللَّهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَمِيرًا فِي مُؤْتَةَ، وَعَيَّنَ ٱلْأُمَرَاءَ بَعْدَهُ إِذَا ٱسْتُشْهِدَ. رَوَى ٱبْنُ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ ٱللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَمِيرُ ٱلنَّاسِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ ٱللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَلْيَرْتَضِ ٱلْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ رَجُلًا فَيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ». وَرَوَى ٱلْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ ٱللَّهِ بْنِ حَارِثَةَ...». وَرَوَى ٱلْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ ٱلْأَكْوَعِ: «وَغَزَوْتُ مَعَ زَيْدٍ، وَكَانَ يُؤَمِّرُهُ عَلَيْنَا». وَرَوَى ٱلْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ ٱللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «بَعَثَ ٱلنَّبِيُّ ﷺ بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ ٱلنَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ ٱلنَّبِيُّ ﷺ: إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَيْمُ ٱللَّهِ إِنْ كَانَ ٱلْخَلِيقَ لِلْإِمَارَةِ...». وَكَانَ ٱلصَّحَابَةُ يُسَمُّونَ جَيْشَ مُؤْتَةَ جَيْشَ ٱلْأُمَرَاءِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ...». وَقَالَ ٱبْنُ عُمَرَ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُ: «أَمَرَ رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ».
وَعَقَدَ أَبُو بَكْرٍ لِخَالِدٍ فِي حَرْبِ ٱلْمُرْتَدِّينَ وَفِي مَعْرَكَةِ ٱلْيَرْمُوكِ. خَلِيفَةٌ: «فَعَقَدَ لِخَالِدِ بْنِ ٱلْوَلِيدِ عَلَى ٱلنَّاسِ، وَأَمَّرَ عَلَى ٱلْأَنْصَارِ خَاصَّةً ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا خَالِدٌ». وَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ أَجْنَادَ ٱلشَّامِ عَلَى خَالِدٍ فِي ٱلْيَرْمُوكِ، قَالَ ٱبْنُ جَرِيرٍ: «وَبَعَثَ إِلَيْهِ، وَهُوَ بِٱلْعِرَاقِ، لِيُقْدِمَ إِلَى ٱلشَّامِ، فَيَكُونَ ٱلْأَمِيرَ عَلَى مَنْ بِهِ». وَكَمَا فَعَلَ عُمَرُ حِينَ جَمَعَ أَجْنَادَ ٱلشَّامِ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ ٱبْنُ عَسَاكِرَ: «وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ أَمِيرَ ٱلْأُمَرَاءِ بِٱلشَّامِ».
ثَانِيًا: ٱلْأَمْنُ ٱلدَّاخِلِيُّ:
رَوَى ٱلْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ ٱلنَّبِيِّ ﷺ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ ٱلشُّرَطِ مِنَ ٱلْأَمِيرِ»، وَٱلْمُرَادُ هُنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ٱلْأَنْصَارِيُّ ٱلْخَزْرَجِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ ٱلتِّرْمِذِيُّ: «كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ مِنَ ٱلنَّبِيِّ ﷺ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ ٱلشُّرْطَةِ مِنَ ٱلْأَمِيرِ. قَالَ ٱلْأَنْصَارِيُّ: يَعْنِي مِمَّا يَلِي مِنْ أُمُورِهِ». وَقَدْ تَرْجَمَ ٱبْنُ حِبَّانَ لِهَذَا ٱلْحَدِيثِ فَقَالَ: «ٱحْتِرَازُ ٱلْمُصْطَفَى ﷺ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ فِي مَجْلِسِهِ إِذَا دَخَلُوا».
أَرْسَلَ رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ ٱلْبُخَارِيُّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ وَٱلزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ: ٱنْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍّ، هَكَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: "حَاجٍّ"، وَفِي رِوَايَةٍ "خَاخٍ"، فَإِنَّ فِيهَا ٱمْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى ٱلْمُشْرِكِينَ، فَأْتُونِي بِهَا». فَٱنْطَلَقْنَا عَلَى أَفْرَاسِنَا حَتَّى أَدْرَكْنَاهَا، حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ، تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَىٰ أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ ٱللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ. فَقُلْنَا: أَيْنَ ٱلْكِتَابُ ٱلَّذِي مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَأَنْخَيْنَا بِهَا بَعِيرَهَا، فَٱبْتَغَيْنَا فِي رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا. فَقَالَ صَاحِبَايَ: مَا نَرَىٰ مَعَهَا كِتَابًا. فَقُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ، ثُمَّ حَلَفَ عَلِيٌّ: وَٱلَّذِي يُحْلَفُ.
بِهِ لَتُخْرِجَنَّ ٱلْكِتَابَ أَوْ لَأُجَرِّدَنَّكِ. فَأَهْوَتْ إِلَىٰ حُجْزَتِهَا، وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ ٱلصَّحِيفَةَ فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ ٱللَّهِ ﷺ... ٱلْحَدِيثُ».
ثَالِثًا: ٱلصِّنَاعَةُ:
إِنَّ ٱلرَّسُولَ ٱللَّهِ ﷺ قَدْ أَمَرَ بِصِنَاعَةِ ٱلْمَنْجَنِيقِ وَٱلْعَرَّادَةِ، أَيِ ٱلدَّبَّابَةِ، ذَكَرَ ٱلْبَيْهَقِيُّ فِي ٱلسُّنَنِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ٱللَّهِ قَالَ: «ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ ٱللَّهِ ﷺ حَاصَرَ أَهْلَ ٱلطَّائِفِ، وَنَصَبَ عَلَيْهِمُ ٱلْمَنْجَنِيقَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا»، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي ٱلْمَرَاسِيلِ عَنْ مَكْحُولٍ: «أَنَّ ٱلنَّبِيَّ ﷺ نَصَبَ ٱلْمَنْجَنِيقَ عَلَىٰ أَهْلِ ٱلطَّائِفِ». قَالَ ٱلصَّنْعَانِيُّ فِي سُبُلِ ٱلسَّلَامِ: "رِجَالُهُ ثِقَاتٌ". وَقَالَ صَاحِبُ ٱلسِّيرَةِ ٱلْحَلَبِيَّةِ: أَرْشَدَهُ إِلَيْهِ سَلْمَانُ ٱلْفَارِسِيُّ، إِذْ قَالَ: "كُنَّا بِأَرْضِ فَارِسَ نَنْصِبُ ٱلْمَنْجَنِيقَاتِ عَلَىٰ ٱلْحُصُونِ، فَنُصِيبُ مِنْ عَدُوِّنَا". وَيُقَالُ إِنَّ سَلْمَانَ نَفْسَهُ هُوَ ٱلَّذِي عَمِلَهُ بِيَدِهِ. وَنَقَلَ ٱبْنُ ٱلْقَيِّمِ فِي زَادِ ٱلْمَعَادِ، وَٱبْنُ هِشَامٍ فِي ٱلسِّيرَةِ عَنْ ٱبْنِ إِسْحَاقَ: "حَتَّىٰ إِذَا كَانَ يَوْمُ ٱلشَّدْخَةِ عِنْدَ جِدَارِ ٱلطَّائِفِ، دَخَلَ نَفَرٌ مِنْ...".
https://www.khilafah.net/archives/21
: أَجْهِزَةُ الدَّوْلَةِ الْأُخْرَى غَيْرَ الْجَيْشِ. وَمِنْ مُرَاسَلَاتِ هَذَا النَّوْعِ وَكُتُبِهِ:
كِتَابُهُ فِي الْعُشْرِ إِلَى مُعَاذٍ: رَوَى يَحْيَى بْنُ آدَمَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ غَيْلًا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ فَنِصْفُ الْعُشْرِ». وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ.
كِتَابُهُ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى فِي الْجِزْيَةِ. ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى أَنَّ الْخَرَاجَ عَنْ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ، لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَجُوسِ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ».
كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَنَسٍ فِي فَرِيضَةِ الصَّدَقَةِ عِنْدَمَا وَجَّهَهُ إِلَى...
: ٱلْبَحْرَيْنِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...
كِتَابُ عُمَرَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ، وَرَدُّ عَمْرِو عَلَيْهِ: رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ عَامُ الرَّمَادَاتِ وَأَجْدَبَتْ بِلَادُ الْعَرَبِ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، إِنَّكَ الْعَمْرِيُّ مَا تُبَالِي إِذَا سَمِنْتَ وَمَنْ قَبْلَكَ أَنْ أَعْجَفَ أَنَا وَمَنْ قَبْلِي، وَيَا غَوْثَاهُ. فَكَتَبَ عَمْرُو: السَّلَامُ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ أَتَتْكَ عِيرٌ أَوَّلُهَا عِنْدَكَ. : وَآخِرُهَا عِنْدِي، مَعَ أَنِّي أَرْجُو أَنْ أَجِدَ سَبِيلًا أَنْ أَحْمِلَ فِي الْبَحْرِ». J
:: كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى عَلِيٍّ بِشَأْنِ ٱلْمُرْتَدِّينَ، وَكِتَابُ عَلِيٍّ إِلَيْهِ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَابُوسِ بْنِ ٱلْمُخَارِقِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «بَعَثَ عَلِيٌّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ، فَكَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُهُ عَنْ زَنَادِقَةٍ، مَنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ، وَمَنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ غَيْرَ ذَٰلِكَ، وَمَنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي ٱلْإِسْلَامَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ فِي الزَّنَادِقَةِ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ كَانَ يَدَّعِي الإِسْلَامَ، وَيَتْرُكَ سَائِرَهُمْ يَعْبُدُونَ مَا شَاءُوا».
٤ - : ٱلْكُتُبُ ٱلْمُوَجَّهَةُ إِلَى ٱلرَّعِيَّةِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ. وَمِنْهَا :
: كِتَابُهُ ۞ لِأَهْلِ بَحْرَانَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْمُنذِرِيُّ: وَفِي سَمَاعِ السُّدِّيِّ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَظَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي ٱلْأَمْوَالِ عَنْ أَبِي ٱلْمِلِيحِ ٱلْأَهْذَلِيِّ وَفِي آخِرِهِ: «شَهِدَ بِذَٰلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانِ وَمَعِيقِيبٌ، وَكَتَبَ». وَرَوَاهُ أَبُو يُحْنُسِ فِي ٱلْخَرَاجِ، وَذَكَرَ أَنَّ ٱلْكَاتِبَ هُوَ
: ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو يُحْنُسِ كِتَابَ أَبِي بَكْرٍ شَمَّ وَأَنَّ ٱلْكَاتِبَ هُوَ ٱلْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةٍ. ٱلْمُغِيرَةُ، ثُمَّ ذَكَرَ كِتَابَ عُمَرِ وَٱلْكَاتِبَ مَعِيقِيبٌ، ثُمَّ كِتَابَ عُثْمَانِ شَمَّ وَٱلْكَاتِبُ مَوْلَاهُ حُمْرَانٌ، ثُمَّ كِتَابَ عَلِيٍّ وَٱلْكَاتِبُ عَبْدُ ٱللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ.
: • كِتَابُهُ لِتَمِيمِ ٱلدَّارِيِّ. ذَكَرَ أَبُو يُحْنُسِ فِي ٱلْخَرَاجِ قَالَ: «قَامَ تَمِيمٌ ٱلدَّارِيُّ وَهُوَ تَمِيمٌ بْنُ أَوْسٍ رَجُلٌ مِنْ لَخْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ ٱللَّهِ، إِنَّ لِي جِيرَةً مِنَ ٱلرُّومِ بِفِلَسْطِينَ، هُمْ قَرْيَةٌ يُقَالُ هَا حُبْرَىٰ، وَأُخْرَىٰ يُقَالُ فِيهَا عَيْنُونُ، وَإِنْ فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلشَّامَ فَهَبْهُمَا لِي، فَقَالَ: هُمَا لَكَ. قَالَ: فَٱكْتُبْ لِي بِذَٰلِكَ، فَكَتَبَ لَهُ: ٱللَّهُ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ، هَٰذَا كِتَابٌۭ مِّنْ مُحَمَّدٍ رَّسُولِ ٱللَّهِ لِتَمِيمٍ بْنِ أَوْسٍ ٱلدَّارِيِّ، أَنَّ لَهُ قَرْيَةَ حُبْرَىٰ وَبَيْتَ عَيْنُونٍ قَرْيَتَهَا كُلَّهَا، وَسَهْلَهَا وَجَبَلَهَا وَمَاؤُهَا وَحَرْثَهَا وَأَنْبَاطَهَا وَبَقَرَهَا وَلِعَقِبِهِۦ مِنْ بَعْدِهِۦ، لَا يُجَاقُهُ فِيهَا أَحَدٌ، وَلَا يُلْحَدُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِظُلْمٍ، فَمَنَ ظَلَمَ وَأَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًۭا فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلَائِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. وَكَتَبَ عَلِيٌّ». فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ كَتَبَ شَمَّ كِتَابًۭا نُسْخَتُهُ: «بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ، هَٰذَا كِتَابٌۭ مِّنْ أَبِي بَكْرٍ أَمِينِ رَسُولِ ٱللَّهِ إِلَى ٱلَّذِي ٱسْتَخْلَفَ فِي ٱلْأَرْضِ، كَتَبَهُ لِلْدَّارِيِّينِ، أَنْ لَا يُفْسِدُوا۟ عَلَيْهِمْ مَا بِيَدِهِمْ مِنْ قَرْيَةِ حُبْرَىٰ وَعَيْنُونٍ، فَمَن كَانَ يَسْمَعُ وَيُطَبِّعُ لِلَّهِ فَلَا يُفْسِدْ مِنْهُمَا شَيْئًۭا، وَلْيَقُمْ عَمُودِيَّ ٱلْبَابَيْنِ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَسَعُهُمَا ٱلْمُفْسِدُونَ».
: لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ كُتَّابًا بِالْقَدَرِ الَّذِي يَحْتَاجُهُ فِي مُكَاتَبَاتِهِ، بَلْ إِنَّهُ يَصِلُ إِلَى حَدِّ الْوَاجِبِ إِنْ كَانَ لَا يَتِمُّ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ إِلَّا بِتَعْيِينِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُ السِّيرِ أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَوَالَيْ عِشْرِينَ كَاتِبًا، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودٍ؛ لِيَقْرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَتَبُوا۟ إِلَيْهِ، فَتَعَلَّمَهُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًۭا، وَرَوَىٰ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤَسِّسُ أَنْ يَسْتَكْتِبَ عَبْدَ اللَّهِ. -- : ابْنُ الْأَرْقَمِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثِ، وَكَانَ يُجِيبُ عَنْهُ الْمُلُوكُ...» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ ٱللَّهِ بْنِ عُمَرٍ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَتَىٰ النَّبِيَّ صَلَّىٰ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ بِكِتَابٍ، فَقَالَ لِعَبْدِ ٱللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ: أَجِبْ عَنِّْي، فَكَتَبَ جَوَابَهُ، ثُمَّ قَرَأَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ، ٱللَّهُمَّ وَفِّقْهُ». وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ٱلْمَدَائِنِ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمَةَ هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِوَفْدٍ مَرَّةً كِتَابًۭا عَنْ أَمْرِ رَسُولِ ٱللَّهِ صَلَّىٰ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَاتِبَ الْعُهُودِ إِذَا عَاهَدَ، وَالصُّلْحِ إِذَا صَالَحَ. وَكَانَ مَعِيقِيبٌ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ عَلَىٰ خَاتَمِهِۦ. خَرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدٍ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ جَدِّهِ مَعِيقِيبٍ قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ ٱللَّهِ صَلَّىٰ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوَنٍ عَلَيْهِ فِضَّةٍ، كَانَ بِيَدِي، وَكَانَ مَعِيقِيبٌ عَلَىٰ خَاتَمِ رَسُولِ ٱللَّهِ صَلَّىٰ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
...
أَمَّا تَحْدِيْدُ الْعُمُرِ بِخَمْسِ عَشْرَةَ سَنَةً، ه ه ه فَلِلْحَدِيْثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيْقِ نَافِعٍ قَالَ: ه ه ه «حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ ﷺ، ه ه ه عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، ه ه ه ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» ه ه ه قَالَ نَافِعٌ: (فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ وَهُوَ خَلِيْفَةٌ، ه ه ه فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيْثَ، فَقَالَ: ه ه ه إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيْرِ وَالْكَبِيْرِ، ه ه ه وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يُفْرَضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ). ه ه ه أَيْ يُقَدِّرُوا لَهُمْ رِزْقًا فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ. ه ه ه
...
وَهَذَا مَا نَتَبَنَّاهُ، ه ه ه وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَلَغَ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ فَإِنَّ عَلَيْهِ التَّدَرُّبَ عَلَى الْجُنْدِيَّةِ. ه ه ه
...
أَقْسَامُ الْجَيْشِ //
...
الْجَيْشُ قِسْمَانِ: // قِسْمٌ احْتِيَاطِيٌّ، // وَهُمْ جَمِيعُ الْقَادِرِينَ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، // وَقِسْمٌ دَائِمٌ فِي الْجُنْدِيَّةِ // تُخَصَّصُ لَهُمْ رَوَاتِبُ فِي مِيزَانِيَّةِ الدَّوْلَةِ كَالْمُوَظَّفِينَ. //
...
وَهَذَا آتٍ مِنْ فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ، // فَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فُرِضَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، // وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَدَرَّبَ لَهُ؛ // وَلِذَلِكَ يَكُونُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ جَيْشًا احْتِيَاطِيًّا؛ // لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ. // وَأَمَّا جَعْلُ قِسْمٍ مِنْهُمْ دَائِمًا فِي الْجُنْدِيَّةِ، // فَإِنَّ دَلِيلَهُ هُوَ قَاعِدَةُ «مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ»؛ // لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْقِيَامُ بِفَرْضِ الْجِهَادِ دَائِمًا، // وَبِحِمَايَةِ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَذِمَارِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْكُفَّارِ، // إِلَّا بِوُجُودِ جَيْشٍ دَائِمٍ؛ // وَمِنْ هُنَا كَانَ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوجِدَ جَيْشًا دَائِمًا. //
...
وَأَمَّا أَنْ تُخَصَّصَ لِهَؤُلَاءِ الْجُنُودِ رَوَاتِبُ كَالْمُوَظَّفِينَ، // فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَمْرٌ ظَاهِرٌ؛ // لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُطَالَبُ بِالْجِهَادِ، // وَلَكِنْ إِنْ قَامَ بِهِ يُقْبَلُ مِنْهُ، // وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَالًا // لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ: // «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، أَسْهَمَ لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ»، // وَلِمَا رَوَى ابْنُ هِشَامٍ: // «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، إِلَى حُنَيْنٍ، // وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، // فَأَعْطَاهُ مَعَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ». //
...
وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ مَعَ الْجَيْشِ الْإِسْلَامِيِّ، // وَأَنْ يُعْطَى لَهُ مَالٌ؛ // لِوُجُودِهِ فِي الْجَيْشِ. // وَأَيْضًا فَإِنَّ تَعْرِيفَ الْإِجَارَةِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ // يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْفَعَةٍ // يُمْكِنُ لِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاؤُهَا مِنَ الْأَجِيرِ، // فَيَدْخُلُ فِيهَا اسْتِئْجَارُ الشَّخْصِ لِلْجُنْدِيَّةِ، // وَلِلْقِتَالِ؛ // لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ. // فَيَكُونُ عُمُومُ دَلِيلِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَيِّ مَنْفَعَةٍ مِنَ الْمَنَافِعِ // دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْكَافِرِ لِلْجُنْدِيَّةِ وَلِلْقِتَالِ. //
...
هٰذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ. // وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ؛ // فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ عِبَادَةً، // فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ لِلْجُنْدِيَّةِ وَالْقِتَالِ؛ // لِدَلِيلِ الْإِجَارَةِ الْعَامِّ، // وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْقِيَامِ بِالْعِبَادَةِ -إِنْ كَانَتْ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فَاعِلَهُ- جَائِزَةٌ؛ // لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: // «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ» // رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ. // وَتَعْلِيمُ كِتَابِ اللهِ عِبَادَةٌ، // فَكَمَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِينَ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، // وَلِلْإِمَامَةِ، // وَالْأَذَانِ، // وَهِيَ عِبَادَاتٌ، // كَذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِلْجِهَادِ، // وَلِلْجُنْدِيَّةِ، // فَكُلُّهَا عِبَادَاتٌ يَتَعَدَّى نَفْعُهَا فَاعِلَهَا. // عَلَى أَنَّ جَوَازَ اسْتِئْجَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْجِهَادِ، // حَتَّى لِمَنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، // قَدْ وَرَدَ دَلِيلُهُ فِي الْحَدِيثِ صَرَاحَةً، // فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو // أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، // قَالَ: // «لِلْغَازِي أَجْرُهُ، // وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجْرُ الْغَازِي»، // وَالْغَازِي هُوَ الَّذِي يَغْزُو بِنَفْسِهِ، // وَالْجَاعِلُ هُوَ الَّذِي يَغْزُو عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَجْرٍ، // قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمُحِيطِ: // (وَالْجُعَالَةُ مُثَلَّثَةٌ مَا جُعِلَ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ، // وَتَجَاعَلُوا الشَّيْءَ جَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، // وَمَا تَجَعَّلَ لِلْغَازِي إِذَا غَزَا عَنْكَ بِجُعْلٍ) // فَالْحَدِيثُ يُبَيِّنُ جَوَازَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ (أُجْرَةً) لِآخَرَ لِيَغْزُوَ عَنْهُ، // أَيْ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ لِلْغَزْوِ. // وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: // قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: // «مِثْلُ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِي، // وَيَأْخُذُونَ الْجُعْلَ، // وَيَتَقَوَّوْنَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، // مِثْلُ أُمِّ مُوسَى، // تُرْضِعُ وَلَدَهَا، // وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا» // وَالْأَجْرُ هُنَا مَعْنَاهُ الْأُجْرَةُ. // وَمِنْ هُنَا يُجْعَلُ لِلْجُنُودِ رَوَاتِبُ كَالْمُوَظَّفِينَ. //
...
وَالجُنُودُ المُسلِمُونَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ اللهِ فِي جِهَادِهِمْ حَتَّى وَإِنْ أَخَذُوا رَاتِبًا؛ ااا وَذٰلِكَ لِحَدِيثِ البُخَارِيِّ السَّابِقِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ وَهُوَ عِبَادَةٌ، ااا أَيْ فِيهِ أَجْرٌ عِندَ اللهِ سُبْحَانَهُ حَسْبَ نِيَّةِ المُدَرِّسِ لِكِتَابِ اللهِ. ااا
...
وَيُجْعَلُ الجَيْشُ الإِسْلَامِيُّ جَيْشًا وَاحِدًا مُؤَلَّفًا مِنْ عِدَّةِ جُيُوشٍ، ااا وَيُوضَعُ لِكُلِّ جَيْشٍ مِنْ هٰذِهِ الجُيُوشِ رَقْمٌ، ااا فَيُقَالُ: الجَيْشُ الأَوَّلُ، ااا الجَيْشُ الثَّالِثُ مِثْلًا، ااا أَوْ يُسَمَّى بِاسْمِ وِلَايَةٍ مِنَ الوِلَايَاتِ، ااا أَوْ عِمَالَةٍ مِنَ العِمَالَاتِ، ااا فَيُقَالُ: جَيْشُ الشَّامِ، ااا جَيْشُ مِصْرَ، ااا جَيْشُ صَنْعَاءَ مِثْلًا. ااا
...
وَيُوضَعُ الجَيْشُ الإِسْلَامِيُّ فِي مُعَسْكَرَاتٍ خَاصَّةٍ، ااا فَتُوضَعُ فِي كُلِّ مُعَسْكَرٍ مِنْهَا مَجْمُوعَةٌ مِنَ الجُنْدِ، ااا إِمَّا جَيْشًا وَاحِدًا، ااا أَوْ قِسْمًا مِنْ جَيْشٍ، ااا أَوْ عِدَّةَ جُيُوشٍ. ااا إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تُوضَعَ هٰذِهِ المُعَسْكَرَاتُ فِي مُخْتَلَفِ الوِلَايَاتِ، ااا وَبَعْضُهَا فِي قَوَاعِدَ عَسْكَرِيَّةٍ، ااا وَيُجْعَلَ بَعْضُهَا مُعَسْكَرَاتٍ مُتَنَقِّلَةً تَنَقُّلًا دَائِمِيًّا، ااا تَكُونُ قُوَّاتٍ ضَارِبَةً، ااا وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مُعَسْكَرٍ مِنْهَا اِسْمٌ خَاصٌّ، ااا كَمُعَسْكَرِ الحَبَّانِيَّةِ مِثْلًا، ااا وَتَكُونُ لِكُلِّ مُعَسْكَرٍ رَايَةٌ خَاصَّةٌ. ااا
...
هٰذِهِ التَّرْتِيبَاتُ، ااا إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَ المُبَاحَاتِ كَتَسْمِيَةِ الجُيُوشِ بِأَسْمَاءِ الوِلَايَاتِ، ااا أَوْ بِأَرْقَامٍ مُعَيَّنَةٍ، ااا فَتُتْرَكُ لِرَأْيِ الخَلِيفَةِ وَاجْتِهَادِهِ، ااا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، ااا كَأَنْ تَكُونَ لَابُدَّ مِنْهَا لِحِمَايَةِ البِلَادِ، ااا كَتَرْتِيبَاتِ الجَيْشِ فِي الثُّغُورِ، ااا وَوَضْعِ الجَيْشِ فِي مُعَسْكَرَاتٍ فِي الأَمْكِنَةِ الِاسْتِرَاتِيجِيَّةِ لِحِمَايَةِ البِلَادِ… ااا وَنَحْوِ ذٰلِكَ. ااا
...
وَقَسَّمَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ مُعَسْكَرَاتِ الجَيْشِ عَلَى الوِلَايَاتِ، ااا فَصَيَّرَ فِلَسْطِينَ جُنْدًا (فَيْلَقًا) ااا وَالمَوْصِلَ جُنْدًا، ااا وَكَانَ يَجْعَلُ فِي مَرْكَزِ الدَّوْلَةِ جُنْدًا، ااا وَيَجْعَلُ لَدَيْهِ جَيْشًا فِي مَوْقِعٍ حَصِينٍ يَكُونُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلْقِتَالِ عِنْدَ أَوَّلِ إِشَارَةٍ. ااا
...
**الخَلِيفَةُ هُوَ قَائِدُ الجَيْشِ**
...
الخَلِيفَةُ هُوَ قَائِدُ الجَيْشِ، ااا وَهُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ رَئِيسَ الأَرْكَانِ، ااا وَهُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ لِكُلِّ لِوَاءٍ أَمِيرًا، ااا وَلِكُلِّ فِرْقَةٍ قَائِدًا. ااا أَمَّا بَاقِي رُتَبِ الجَيْشِ فَيُعَيِّنُهُمْ قُوَّادُهُ وَأُمَرَاءُ أَلْوِيَتِهِ. ااا وَأَمَّا تَعْيِينُ الشَّخْصِ فِي الأَرْكَانِ فَيَكُونُ حَسَبَ دَرَجَةِ ثَقَافَتِهِ الحَرْبِيَّةِ، ااا وَيُعَيِّنُهُ رَئِيسُ الأَرْكَانِ. ااا
...
وَذٰلِكَ أَنَّ الخِلَافَةَ رِيَاسَةٌ عَامَّةٌ لِلمُسْلِمِينَ جَمِيعًا فِي الدُّنْيَا؛ ااا لِإِقَامَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، ااا وَحَمْلِ الدَّعْوَةِ إِلَى العَالَمِ. ااا وَالطَّرِيقَةُ الأَسَاسُ لِحَمْلِ الدَّعْوَةِ إِلَى العَالَمِ هِيَ الجِهَادُ، ااا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى هُوَ، ااا أَيْ الخَلِيفَةُ، ااا الجِهَادَ؛ ااا لِأَنَّ عَقْدَ الخِلَافَةِ وَقَعَ عَلَى شَخْصِهِ، ااا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بِهِ غَيْرُهُ؛ ااا لِذٰلِكَ كَانَ تَوَلِّي أُمُورِ الجِهَادِ خَاصًّا بِالخَلِيفَةِ، ااا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بِهِ غَيْرُهُ، ااا وَإِنْ كَانَ يَقُومُ بِالجِهَادِ كُلُّ مُسْلِمٍ. ااا فَالقِيَامُ بِالجِهَادِ شَيْءٌ، ااا وَتَوَلِّي الجِهَادِ شَيْءٌ آخَرُ. ااا فَالجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، ااا وَلَكِنَّ تَوَلِّي الجِهَادِ إِنَّمَا هُوَ لِلْخَلِيفَةِ لَيْسَ غَيْرُ. ااا
...
أَمَّا إِنَابَةُ الخَلِيفَةِ مَنْ يَقُومُ عَنْهُ فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ، ااا فَإِنَّ ذٰلِكَ جَائِزٌ تَحْتَ إِطْلَاعِهِ وَبِإِشْرَافِهِ، ااا وَلَيْسَ جَائِزًا بِشَكْلٍ مُطْلَقٍ مَعَ الِاسْتِقْلَالِ دُونَ إِطْلَاعِهِ، ااا وَمِنْ غَيْرِ إِشْرَافِهِ. ااا وَإِطْلَاعُ الخَلِيفَةِ هُنَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ المُطَالَعَةِ الَّتِي لِلمُعَاوِنِ، ااا بَلْ إِطْلَاعُهُ هُنَا هُوَ أَنْ تَكُونَ مُبَاشَرَةُ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ تَحْتَ تَوَلِّيهِ هُوَ، ااا وَبِإِشْرَافٍ مِنْهُ. ااا وَقِيَادَةُ الجَيْشِ بِهٰذَا القَيْدِ، ااا أَيْ تَحْتَ نَظَرِ الخَلِيفَةِ وَبِإِشْرَافِهِ، ااا يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهَا مَنْ يَشَاءُ، ااا أَمَّا تَوَلِّيهَا دُونَ إِشْرَافِهِ، ااا وَدُونَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ نَظَرِهِ إِلَّا بِشَكْلٍ اِسْمِيٍّ فَلَا يَجُوزُ؛ ااا لِأَنَّ عَقْدَ الخِلَافَةِ وَقَعَ عَلَى شَخْصِهِ، ااا فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَ الجِهَادِ. ااا
...
وَلِهٰذَا فَإِنَّ مَا يُقَالُ فِي الأَنْظِمَةِ الأُخْرَى غَيْرِ الإِسْلَامِيَّةِ مِنْ أَنَّ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ هُوَ القَائِدُ الأَعْلَى لِلْجَيْشِ، ااا فَيَجْعَلُ قَائِدًا شَكْلًا، ااا وَيُعَيِّنُ قَائِدًا يَسْتَقِلُّ بِالجَيْشِ، ااا يُعْتَبَرُ بَاطِلًا فِي نَظَرِ الإِسْلَامِ، ااا وَهُوَ كَلَامٌ لَا يُقِرُّهُ الشَّرْعُ، ااا بَلِ الشَّرْعُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَائِدُ الجَيْشِ الفِعْلِيُّ هُوَ الخَلِيفَةَ. ااا
...
أَمَّا غَيْرُ القِيَادَةِ مِنَ الأُمُورِ الفَنِّيَّةِ أَوِ الإِدَارِيَّةِ أَوْ غَيْرِ ذٰلِكَ، ااا فَإِنَّ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ لَهَا مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ، ااا وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ نَظَرِهِ الفِعْلِيِّ كَالقِيَادَةِ. ااا
...
ثُمَّ إِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ااا كَانَ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ قِيَادَةَ الجَيْشِ الفِعْلِيَّةَ، ااا وَكَانَ يَتَوَلَّى قِيَادَةَ المَعَارِكِ، ااا وَكَانَ يُعَيِّنُ قُوَّادًا عَلَى فُرَقِ الجَيْشِ الَّتِي تَخْرُجُ لِلْقِتَالِ، ااا دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَعَهَا، ااا وَهِيَ السَّرَايَا، ااا وَكَانَ يُوَلِّي عَلَى كُلِّ سَرِيَّةٍ قَائِدًا، ااا وَكَانَ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ يَحْتَاطُ فِي تَعْيِينِ مَنْ يَخْلُفُهُ إِنْ قُتِلَ، ااا كَمَا حَصَلَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، ااا فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
...
«أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ااا فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. ااا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ااا إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ، ااا فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ».
...
فَالخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ قَائِدَ الجَيْشِ، ااا وَهُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ أُمَرَاءَ أَلْوِيَتِهِ، ااا وَيَعْقِدُ لَهُمُ اللِّوَاءَ، ااا وَيُعَيِّنُ قُوَّادَ الفِرَقِ، ااا فَإِنَّ الجَيْشَ الَّذِي كَانَ يُرْسَلُ إِلَى الشَّامِ، ااا كَجَيْشِ مُؤْتَةَ، ااا وَجَيْشِ أُسَامَةَ، ااا كَانَ لِوَاءً، ااا بِدَلِيلِ عَقْدِ الرَّسُولِ لِأُسَامَةَ اللِّوَاءَ، ااا وَالسَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ تُحَارِبُ فِي الجَزِيرَةِ وَتَرْجِعُ، ااا كَسَرِيَّةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الَّتِي أَرْسَلَهَا نَحْوَ مَكَّةَ، ااا كَانَتْ بِمَثَابَةِ فِرْقَةٍ، ااا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُمَرَاءَ الأَلْوِيَةِ، ااا وَقُوَّادَ الفِرَقِ، ااا يُعَيِّنُهُمُ الخَلِيفَةُ.
...
أَمَّا غَيْرُ أُمَرَاءِ الجُيُوشِ، ااا وَقُوَّادِ السَّرَايَا، ااا فَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ الرَّسُولِ أَنَّهُ عَيَّنَهُمْ، ااا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ أَمْرَ تَعْيِينِهِمْ فِي الغَزْوَةِ إِلَى رُؤَسَائِهِمْ.
...
وَأَمَّا رَئِيسُ الأَرْكَانِ، ااا وَهُوَ المَسْؤُولُ عَنِ الأُمُورِ الفَنِّيَّةِ، ااا فَإِنَّهُ كَقَائِدِ الجَيْشِ، ااا يُعَيِّنُهُ الخَلِيفَةُ، ااا وَيَقُومُ بِعَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَلِّي الخَلِيفَةِ المُبَاشِرِ لَهُ، ااا وَإِنْ كَانَ تَحْتَ أَمْرِ الخَلِيفَةِ.
...
...
...
############################################# وَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُسْلِمِينَ، بِأَنْ جَعَلَهُمْ حَمَلَةَ رِسَالَةِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ، وَحَدَّدَ لَهُمْ طَرِيقَةَ حَمْلِهِ بِالدَّعْوَةِ وَالْجِهَادِ، وَجَعَلَ الْجِهَادَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ، وَالتَّدْرِيبَ عَلَى الْجُنْدِيَّةِ وَاجِبًا
...
فَكُلُّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَبْلُغُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ فَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَتَدَرَّبَ عَلَى الْجُنْدِيَّةِ اسْتِعْدَادًا لِلْجِهَادِ. وَأَمَّا التَّجْنِيدُ فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ
...
وَأَدِلَّةُ التَّدْرِيبِ عَلَى الْجُنْدِيَّةِ هِيَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ} [١٩٣:٠٠١]، وَقَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ. وَلَمَّا كَانَ الْقِتَالُ الْيَوْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَدْرِيبٍ عَسْكَرِيٍّ حَتَّىٰ يَتَأَتَّى الْقِيَامُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا مِنْ قَهْرِ الْعَدُوِّ، وَفَتْحِ الْبُلْدَانِ، كَانَ هَذَا التَّدْرِيبُ فَرْضًا كَالْجِهَادِ، عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ «مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ»؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْقِتَالِ يَشْمَلُهَا، إِذْ هُوَ عَامٌّ: {وَقَاتِلُوهُمْ}، فَهُوَ أَمْرٌ بِالْقِتَالِ، وَأَمْرٌ بِمَا يُمَكِّنُ مِنَ الْقِتَالِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَىٰ يَقُولُ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِّنْ} [٠٦٠:٠٠٨]، وَالتَّدْرِيبُ وَالْخِبْرَةُ الْعَسْكَرِيَّةُ الْعَالِيَةُ هِيَ مِنَ الْإِعْدَادِ لِلْقُوَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْ تَوَفُّرِهَا لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الْقِتَالِ، فَهِيَ مِنَ الْقُوَّةِ الَّتِي تُعَدُّ كَالْعَتَادِ وَالْمُهِمَّاتِ وَنَحْوِهَا
...
رَابِعًا: الْوُلَاةُ
...
وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ وَالِيًا وِلَايَةً عَامَّةً، وَأَنْ يُعَيِّنَ وَالِيًا وِلَايَةً خَاصَّةً، إِلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ أَيَّامَ ضَعْفِ الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيِّينَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ مَكَّنَتْ مِنِ اسْتِقْلَالِ الْوِلَايَاتِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلْخَلِيفَةِ عَلَيْهَا مِنْ سُلْطَةٍ سِوَى الدُّعَاءِ بِاسْمِهِ، وَسَكِّ النُّقُودِ بِاسْمِهِ، وَمِنْ هُنَا فَقَدْ سَبَّبَ إِعْطَاءُ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ ضَرَرًا لِلدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى الْوَالِي وِلَايَةً عَامَّةً، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى وِلَايَةً خَاصَّةً، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ وَخَطَرٍ عَلَى الدَّوْلَةِ؛ لِذَلِكَ نَتَبَنَّى تَوْلِيَةَ الْوَالِي وِلَايَةً خَاصَّةً فِيمَا عَدَا الْأُمُورِ الَّتِي تُمَكِّنُ الْوَالِي، إِنْ ضَعُفَتْ تَقْوَاهُ، مِنَ الِاسْتِقْلَالِ عَنِ الْخَلِيفَةِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ، مِنِ اسْتِقْرَاءِ الْوَاقِعِ، هِيَ الْجَيْشُ وَالْقَضَاءُ وَالْمَالُ، فَتُجْعَلُ هَذِهِ أَجْهِزَةً مُنْفَصِلَةً تَتْبَعُ الْخَلِيفَةَ كَأَيِّ جِهَازٍ آخَرَ مِنْ أَجْهِزَةِ دَوْلَةِ الْخِلَافَةِ، أَيْ مُسْتَقِلَّةً عَنِ الْوَالِي.
وَلَا يُنْقَلُ الْوَالِي مِنْ وِلَايَةٍ إِلَى وِلَايَةٍ، وَلَكِنْ يُعْفَى وَيُوَلَّى ثَانِيَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ يَعْزِلُ الْوُلَاةَ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ نَقَلَ وَالِيًا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوِلَايَةَ عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ تَتِمُّ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ، وَفِي عَقْدِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْإِقْلِيمِ أَوِ الْبَلَدِ يُحَدَّدُ الْمَكَانُ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِ الْوَالِي، وَتَظَلُّ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْحُكْمِ فِيهِ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ الْخَلِيفَةُ، فَإِذَا لَمْ يَعْزِلْهُ عَنْهُ ظَلَّ وَالِيًا عَلَيْهِ، فَإِذَا نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِ نَقْلًا لَمْ يُعْزَلْ عَنْ مَكَانِهِ الْأَوَّلِ بِهَذَا النَّقْلِ، وَلَمْ يُوَلَّ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي نُقِلَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَصْلَهُ عَنِ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ يَحْتَاجُ إِلَى لَفْظٍ صَرِيحٍ بِالْعَزْلِ عَنِ الْوِلَايَةِ عَنْهُ، وَتَوْلِيَتِهِ لِلْمَكَانِ الَّذِي نُقِلَ إِلَيْهِ تَحْتَاجُ إِلَى عَقْدِ تَوْلِيَةٍ جَدِيدٍ خَاصٍّ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، وَمِنْ هُنَا أُخِذَ أَنَّ الْوَالِي لَا يُنْقَلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ نَقْلًا، وَإِنَّمَا يُعْزَلُ عَنِ الْمَكَانِ، وَيُوَلَّى وِلَايَةً جَدِيدَةً لِلْمَكَانِ الْجَدِيدِ.
______________________
**عَلَى الْخَلِيفَةِ أَنْ يَتَحَرَّى أَعْمَالَ الْوُلَاةِ:**
وَعَلَى الْخَلِيفَةِ أَنْ يَتَحَرَّى أَعْمَالَ الْوُلَاةِ، وَأَنْ يَكُونَ شَدِيدَ الْمُرَاقَبَةِ لَهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، أَمْ بِتَعْيِينِ مَنْ يُنِيبُ عَنْهُ لِلْكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِمْ. وَكَذَلِكَ فَإِنَّ لِلْمُعَاوِنِ مُرَاقَبَةَ أَعْمَالِ الْوُلَاةِ فِي الْوِلَايَاتِ الَّتِي هُوَ مُعَاوِنٌ فِيهَا، وَأَنْ يُطَالِعَ الْخَلِيفَةَ بِمَا يَرَاهُ مِنْ حَالِهِمْ، أَوْ بِمَا أَمْضَاهُ مِنْ تَدْبِيرٍ تِجَاهَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ سَابِقًا فِي عَمَلِ مُعَاوِنِ التَّفْوِيضِ. وَهَكَذَا يَكُونُ الْخَلِيفَةُ مُطَّلِعًا عَلَى أَحْوَالِ الْوُلَاةِ، مُتَابِعًا لِأَمْرِهِمْ. كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَهُمْ أَوْ قِسْمًا مِنْهُمْ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ، وَأَنْ يُصْغِيَ إِلَى شَكَاوَى الرَّعِيَّةِ مِنْهُمْ.
**فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يَخْتَبِرُ الْوُلَاةَ حِينَ يُوَلِّيهِمْ كَمَا فَعَلَ مَعَ مُعَاذٍ وَمَعَ أَبِي مُوسَى، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ كَيْفَ يَسِيرُونَ كَمَا فَعَلَ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَيُنَبِّهُهُمْ إِلَى بَعْضِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ كَمَا فَعَلَ مَعَ أَبَانَ بْنِ سَعِيدٍ حِينَ وَلَّاهُ الْبَحْرَيْنَ إِذْ قَالَ لَهُ: «اسْتَوْصِ بِعَبْدِ قَيْسٍ خَيْرًا وَأَكْرِمْ سَرَاتَهُمْ»، فَإِنَّهُ كَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يُحَاسِبُ الْوُلَاةَ، وَيَكْشِفُ عَنْ حَالِهِمْ، وَيَسْمَعُ مَا يُنْقَلُ إِلَيْهِ مِنْ أَخْبَارِهِمْ. وَكَانَ يُحَاسِبُ الْوُلَاةَ عَلَى الْمُسْتَخْرَجِ وَالْمَصْرِفِ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا الَّذِي لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَبَيْتِ أُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا.. الْحَدِيثَ». وَكَانَ عُمَرُ شَدِيدَ الْمُرَاقَبَةِ لِلْوُلَاةِ، وَقَدْ عَيَّنَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لِلْكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ يَجْمَعُ الْوُلَاةَ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ لِيَنْظُرَ فِيمَا عَمِلُوهُ، وَلِيُصْغِيَ إِلَى شَكَاوَى الرَّعِيَّةِ مِنْهُمْ، وَلِيَتَذَاكَرَ مَعَهُمْ فِي شُؤُونِ الْوِلَايَةِ، وَلِيَعْرِفَ أَحْوَالَهُمْ. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِمَنْ حَوْلَهُ: «أَرَأَيْتُمْ إِذَا اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ خَيْرَ مَنْ أَعْلَمُ ثُمَّ أَمَرْتُهُ بِالْعَدْلِ، أَكُنْتُ قَضَيْتُ الَّذِي عَلَيَّ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَا، حَتَّى أَنْظُرَ فِي عَمَلِهِ، أَعَمِلَ بِمَا أَمَرْتُهُ بِهِ أَمْ لَا». وَكَانَ شَدِيدَ الْحِسَابِ لِوُلَاتِهِ وَعُمَّالِهِ، وَبَلَغَ مِنْ شِدَّتِهِ فِي مُحَاسَبَتِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ أَحَدَهُمْ أَحْيَانًا لِشُبْهَةٍ لَا يَقْطَعُ بِهَا دَلِيلٌ، وَقَدْ يَعْزِلُ لِرِيبَةٍ لَا تَبْلُغُ حَدَّ الشُّبْهَةِ. وَلَقَدْ سُئِلَ فِي ذَلِكَ يَوْمًا فَقَالَ: «هَانَ شَيْءٌ أُصْلِحُ بِهِ قَوْمًا أَنْ أُبَدِّلَهُمْ أَمِيرًا مَكَانَ أَمِيرٍ». غَيْرَ أَنَّهُ مَعَ شِدَّتِهِ عَلَيْهِمْ كَانَ يُطْلِقُ أَيْدِيَهُمْ، وَيُحَافِظُ عَلَى هَيْبَتِهِمْ فِي الْحُكْمِ، وَكَانَ يَسْمَعُ مِنْهُمْ، وَيُصْغِي إِلَى حُجَجِهِمْ، فَإِذَا أَقْنَعَتْهُ الْحُجَّةُ لَمْ يُخْفِ اقْتِنَاعَهُ بِهَا، وَثَنَاءً عَلَى عَامِلِهِ بَعْدَهَا. وَقَدْ بَلَغَهُ يَوْمًا أَنَّ عَامِلَهُ عَلَى حِمْصَ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ حِمْصَ: «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ مَنِيعًا مَا اشْتَدَّ السُّلْطَانُ. وَلَيْسَتْ شِدَّةُ السُّلْطَانِ قَتْلًا بِالسَّيْفِ أَوْ ضَرْبًا بِالسَّوْطِ، وَلَكِنْ قَضَاءً بِالْحَقِّ وَأَخْذًا بِالْعَدْلِ». فَقَالَ عُمَرُ فِيهِ: «وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ لِي رَجُلًا مِثْلَ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ أَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ».
**الجِهَادُ**
الجِهَادُ هُوَ ذُرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ، وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الأَسَاسُ الَّتِي وَضَعَهَا الإِسْلَامُ لِحَمْلِ الدَّعْوَةِ الإِسْلَامِيَّةِ إِلَى الْخَارِجِ. وَحَمْلُ الدَّعْوَةِ الإِسْلَامِيَّةِ يُعَدُّ العَمَلَ الأَصْلِيَّ لِلدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ بَعْدَ تَطْبِيقِهَا أَحْكَامَ الإِسْلَامِ فِي الدَّاخِلِ.
وَلِأَنَّ الجِهَادَ هُوَ القِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَالقِتَالَ يَحْتَاجُ إِلَى جَيْشٍ، وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ إِعْدَادٍ وَتَكْوِينٍ لِقِيَادَاتِهِ وَلِأَرْكَانِ حَرْبِهِ وَضُبَّاطِهِ وَجُنُودِهِ، كَمَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّدْرِيبِ وَالتَّمْوِينِ وَالإِمْدَادِ، وَالجَيْشُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ سِلَاحٍ، وَالسِّلَاحُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ صِنَاعَةٍ؛ لِذَلِكَ كَانَتِ الصِّنَاعَةُ مِنْ لَوَازِمِ الجَيْشِ، وَلَوَازِمِ الجِهَادِ. وَهَذَا الَّذِي يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الصِّنَاعَةُ فِي جَمِيعِ المَصَانِعِ فِي الدَّوْلَةِ مَبْنِيَّةً عَلَى أَسَاسِ الصِّنَاعَةِ الحَرْبِيَّةِ.
وَكَذَٰلِكَ فَإِنَّ اسْتِقْرَارَ الوَضْعِ الدَّاخِلِيِّ يَشُدُّ مِنْ عَزِيمَةِ الجَيْشِ فِي القِتَالِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الوَضْعُ الدَّاخِلِيُّ غَيْرَ آمِنٍ وَغَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، فَإِنَّهُ سَيُشْغِلُ الجَيْشَ بِضَبْطِهِ قَبْلَ تَوَجُّهِهِ لِلْجِهَادِ، وَحَتَّىٰ لَوْ تَوَجَّهَ لِلْجِهَادِ، وَاضْطَرَبَ الأَمْنُ الدَّاخِلِيُّ خَلْفَهُ، فَإِنَّ هَذَا سَيُضْعِفُ مِنْ قُدْرَةِ الجَيْشِ عَلَى الاسْتِمْرَارِ بِالْقِتَالِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ العَلَاقَاتِ الخَارِجِيَّةِ مَعَ الدُّوَلِ مَحْوَرُهَا الأَسَاسِ حَمْلُ الدَّعْوَةِ الإِسْلَامِيَّةِ.
لِكُلِّ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الدَّوَائِرَ الأَرْبَعَ: الجَيْشُ وَالأَمْنُ الدَّاخِلِيُّ وَالصِّنَاعَةُ وَالخَارِجِيَّةُ، يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ دَائِرَةً وَاحِدَةً يُعَيَّنُ لَهَا الخَلِيفَةُ أَمِيرًا؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ صِلَةٍ بِالْجِهَادِ.
إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ كَذَٰلِكَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الدَّوَائِرُ مُنفَصِلَةً، فَيُعَيِّنُ الخَلِيفَةُ لِكُلٍّ. دَائِرَةً مُدِيرًا، وَلِلْجَيْشِ أَمِيرًا وَقَائِدًا، حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَيِّنُ أُمَرَاءَ لِلْجُيُوشِ فِي الْغَزَوَاتِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَأْنٌ فِي الصِّنَاعَةِ، بَلْ كَانَ الرَّسُولُ ﷺ يُكَلِّفُ آخَرِينَ لَهَا. وَكَذَٰلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمْنِ الدَّاخِلِيِّ مِنْ حَيْثُ الشُّرْطَةِ وَالْعَسَّسِ وَمُعَالَجَةِ أَمْرِ قِطَاعِ الطُّرُقِ وَاللُّصُوصِ ... وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي العَلَاقَاتِ الدَّوْلِيَّةِ، وَكَتَبَ الرَّسُولُ ﷺ إِلَى الْمُلُوكِ وَالْحُكَّامِ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ ذَاتَ دِلَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ ثَبَتَ انْفِصَالُ هَذِهِ الدَّوَائِرِ بِمَسْؤُولٍ لِكُلٍّ مِنْهَا بِالْأَدِلَّةِ التَّالِيَةِ:
**أَوَّلاً: الجَيْشُ:**
. لَقَدْ أَرْسَلَ الرَّسُولُ ٱللَّهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَمِيرًا فِي مُؤْتَةَ، وَعَيَّنَ ٱلْأُمَرَاءَ بَعْدَهُ إِذَا ٱسْتُشْهِدَ. رَوَى ٱبْنُ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ ٱللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَمِيرُ ٱلنَّاسِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ ٱللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَلْيَرْتَضِ ٱلْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ رَجُلًا فَيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ». وَرَوَى ٱلْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ ٱللَّهِ بْنِ حَارِثَةَ...». وَرَوَى ٱلْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ ٱلْأَكْوَعِ: «وَغَزَوْتُ مَعَ زَيْدٍ، وَكَانَ يُؤَمِّرُهُ عَلَيْنَا». وَرَوَى ٱلْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ ٱللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «بَعَثَ ٱلنَّبِيُّ ﷺ بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ ٱلنَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ ٱلنَّبِيُّ ﷺ: إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَيْمُ ٱللَّهِ إِنْ كَانَ ٱلْخَلِيقَ لِلْإِمَارَةِ...». وَكَانَ ٱلصَّحَابَةُ يُسَمُّونَ جَيْشَ مُؤْتَةَ جَيْشَ ٱلْأُمَرَاءِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ...». وَقَالَ ٱبْنُ عُمَرَ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُ: «أَمَرَ رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ».
وَعَقَدَ أَبُو بَكْرٍ لِخَالِدٍ فِي حَرْبِ ٱلْمُرْتَدِّينَ وَفِي مَعْرَكَةِ ٱلْيَرْمُوكِ. خَلِيفَةٌ: «فَعَقَدَ لِخَالِدِ بْنِ ٱلْوَلِيدِ عَلَى ٱلنَّاسِ، وَأَمَّرَ عَلَى ٱلْأَنْصَارِ خَاصَّةً ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا خَالِدٌ». وَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ أَجْنَادَ ٱلشَّامِ عَلَى خَالِدٍ فِي ٱلْيَرْمُوكِ، قَالَ ٱبْنُ جَرِيرٍ: «وَبَعَثَ إِلَيْهِ، وَهُوَ بِٱلْعِرَاقِ، لِيُقْدِمَ إِلَى ٱلشَّامِ، فَيَكُونَ ٱلْأَمِيرَ عَلَى مَنْ بِهِ». وَكَمَا فَعَلَ عُمَرُ حِينَ جَمَعَ أَجْنَادَ ٱلشَّامِ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ ٱبْنُ عَسَاكِرَ: «وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ أَمِيرَ ٱلْأُمَرَاءِ بِٱلشَّامِ».
ثَانِيًا: ٱلْأَمْنُ ٱلدَّاخِلِيُّ:
رَوَى ٱلْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ ٱلنَّبِيِّ ﷺ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ ٱلشُّرَطِ مِنَ ٱلْأَمِيرِ»، وَٱلْمُرَادُ هُنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ٱلْأَنْصَارِيُّ ٱلْخَزْرَجِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ ٱلتِّرْمِذِيُّ: «كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ مِنَ ٱلنَّبِيِّ ﷺ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ ٱلشُّرْطَةِ مِنَ ٱلْأَمِيرِ. قَالَ ٱلْأَنْصَارِيُّ: يَعْنِي مِمَّا يَلِي مِنْ أُمُورِهِ». وَقَدْ تَرْجَمَ ٱبْنُ حِبَّانَ لِهَذَا ٱلْحَدِيثِ فَقَالَ: «ٱحْتِرَازُ ٱلْمُصْطَفَى ﷺ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ فِي مَجْلِسِهِ إِذَا دَخَلُوا».
أَرْسَلَ رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ ٱلْبُخَارِيُّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ وَٱلزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ: ٱنْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍّ، هَكَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: "حَاجٍّ"، وَفِي رِوَايَةٍ "خَاخٍ"، فَإِنَّ فِيهَا ٱمْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى ٱلْمُشْرِكِينَ، فَأْتُونِي بِهَا». فَٱنْطَلَقْنَا عَلَى أَفْرَاسِنَا حَتَّى أَدْرَكْنَاهَا، حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ، تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَىٰ أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ ٱللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ. فَقُلْنَا: أَيْنَ ٱلْكِتَابُ ٱلَّذِي مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَأَنْخَيْنَا بِهَا بَعِيرَهَا، فَٱبْتَغَيْنَا فِي رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا. فَقَالَ صَاحِبَايَ: مَا نَرَىٰ مَعَهَا كِتَابًا. فَقُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ ٱللَّهِ ﷺ، ثُمَّ حَلَفَ عَلِيٌّ: وَٱلَّذِي يُحْلَفُ.
بِهِ لَتُخْرِجَنَّ ٱلْكِتَابَ أَوْ لَأُجَرِّدَنَّكِ. فَأَهْوَتْ إِلَىٰ حُجْزَتِهَا، وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ ٱلصَّحِيفَةَ فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ ٱللَّهِ ﷺ... ٱلْحَدِيثُ».
ثَالِثًا: ٱلصِّنَاعَةُ:
إِنَّ ٱلرَّسُولَ ٱللَّهِ ﷺ قَدْ أَمَرَ بِصِنَاعَةِ ٱلْمَنْجَنِيقِ وَٱلْعَرَّادَةِ، أَيِ ٱلدَّبَّابَةِ، ذَكَرَ ٱلْبَيْهَقِيُّ فِي ٱلسُّنَنِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ٱللَّهِ قَالَ: «ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ ٱللَّهِ ﷺ حَاصَرَ أَهْلَ ٱلطَّائِفِ، وَنَصَبَ عَلَيْهِمُ ٱلْمَنْجَنِيقَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا»، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي ٱلْمَرَاسِيلِ عَنْ مَكْحُولٍ: «أَنَّ ٱلنَّبِيَّ ﷺ نَصَبَ ٱلْمَنْجَنِيقَ عَلَىٰ أَهْلِ ٱلطَّائِفِ». قَالَ ٱلصَّنْعَانِيُّ فِي سُبُلِ ٱلسَّلَامِ: "رِجَالُهُ ثِقَاتٌ". وَقَالَ صَاحِبُ ٱلسِّيرَةِ ٱلْحَلَبِيَّةِ: أَرْشَدَهُ إِلَيْهِ سَلْمَانُ ٱلْفَارِسِيُّ، إِذْ قَالَ: "كُنَّا بِأَرْضِ فَارِسَ نَنْصِبُ ٱلْمَنْجَنِيقَاتِ عَلَىٰ ٱلْحُصُونِ، فَنُصِيبُ مِنْ عَدُوِّنَا". وَيُقَالُ إِنَّ سَلْمَانَ نَفْسَهُ هُوَ ٱلَّذِي عَمِلَهُ بِيَدِهِ. وَنَقَلَ ٱبْنُ ٱلْقَيِّمِ فِي زَادِ ٱلْمَعَادِ، وَٱبْنُ هِشَامٍ فِي ٱلسِّيرَةِ عَنْ ٱبْنِ إِسْحَاقَ: "حَتَّىٰ إِذَا كَانَ يَوْمُ ٱلشَّدْخَةِ عِنْدَ جِدَارِ ٱلطَّائِفِ، دَخَلَ نَفَرٌ مِنْ...".
https://www.khilafah.net/archives/21
: أَجْهِزَةُ الدَّوْلَةِ الْأُخْرَى غَيْرَ الْجَيْشِ. وَمِنْ مُرَاسَلَاتِ هَذَا النَّوْعِ وَكُتُبِهِ:
كِتَابُهُ فِي الْعُشْرِ إِلَى مُعَاذٍ: رَوَى يَحْيَى بْنُ آدَمَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ غَيْلًا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ فَنِصْفُ الْعُشْرِ». وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ.
كِتَابُهُ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى فِي الْجِزْيَةِ. ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى أَنَّ الْخَرَاجَ عَنْ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ، لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَجُوسِ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ».
كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَنَسٍ فِي فَرِيضَةِ الصَّدَقَةِ عِنْدَمَا وَجَّهَهُ إِلَى...
: ٱلْبَحْرَيْنِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...
كِتَابُ عُمَرَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ، وَرَدُّ عَمْرِو عَلَيْهِ: رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ عَامُ الرَّمَادَاتِ وَأَجْدَبَتْ بِلَادُ الْعَرَبِ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، إِنَّكَ الْعَمْرِيُّ مَا تُبَالِي إِذَا سَمِنْتَ وَمَنْ قَبْلَكَ أَنْ أَعْجَفَ أَنَا وَمَنْ قَبْلِي، وَيَا غَوْثَاهُ. فَكَتَبَ عَمْرُو: السَّلَامُ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ أَتَتْكَ عِيرٌ أَوَّلُهَا عِنْدَكَ. : وَآخِرُهَا عِنْدِي، مَعَ أَنِّي أَرْجُو أَنْ أَجِدَ سَبِيلًا أَنْ أَحْمِلَ فِي الْبَحْرِ». J
:: كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى عَلِيٍّ بِشَأْنِ ٱلْمُرْتَدِّينَ، وَكِتَابُ عَلِيٍّ إِلَيْهِ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَابُوسِ بْنِ ٱلْمُخَارِقِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «بَعَثَ عَلِيٌّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ، فَكَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُهُ عَنْ زَنَادِقَةٍ، مَنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ، وَمَنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ غَيْرَ ذَٰلِكَ، وَمَنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي ٱلْإِسْلَامَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ فِي الزَّنَادِقَةِ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ كَانَ يَدَّعِي الإِسْلَامَ، وَيَتْرُكَ سَائِرَهُمْ يَعْبُدُونَ مَا شَاءُوا».
٤ - : ٱلْكُتُبُ ٱلْمُوَجَّهَةُ إِلَى ٱلرَّعِيَّةِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ. وَمِنْهَا :
: كِتَابُهُ ۞ لِأَهْلِ بَحْرَانَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْمُنذِرِيُّ: وَفِي سَمَاعِ السُّدِّيِّ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَظَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي ٱلْأَمْوَالِ عَنْ أَبِي ٱلْمِلِيحِ ٱلْأَهْذَلِيِّ وَفِي آخِرِهِ: «شَهِدَ بِذَٰلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانِ وَمَعِيقِيبٌ، وَكَتَبَ». وَرَوَاهُ أَبُو يُحْنُسِ فِي ٱلْخَرَاجِ، وَذَكَرَ أَنَّ ٱلْكَاتِبَ هُوَ
: ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو يُحْنُسِ كِتَابَ أَبِي بَكْرٍ شَمَّ وَأَنَّ ٱلْكَاتِبَ هُوَ ٱلْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةٍ. ٱلْمُغِيرَةُ، ثُمَّ ذَكَرَ كِتَابَ عُمَرِ وَٱلْكَاتِبَ مَعِيقِيبٌ، ثُمَّ كِتَابَ عُثْمَانِ شَمَّ وَٱلْكَاتِبُ مَوْلَاهُ حُمْرَانٌ، ثُمَّ كِتَابَ عَلِيٍّ وَٱلْكَاتِبُ عَبْدُ ٱللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ.
: • كِتَابُهُ لِتَمِيمِ ٱلدَّارِيِّ. ذَكَرَ أَبُو يُحْنُسِ فِي ٱلْخَرَاجِ قَالَ: «قَامَ تَمِيمٌ ٱلدَّارِيُّ وَهُوَ تَمِيمٌ بْنُ أَوْسٍ رَجُلٌ مِنْ لَخْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ ٱللَّهِ، إِنَّ لِي جِيرَةً مِنَ ٱلرُّومِ بِفِلَسْطِينَ، هُمْ قَرْيَةٌ يُقَالُ هَا حُبْرَىٰ، وَأُخْرَىٰ يُقَالُ فِيهَا عَيْنُونُ، وَإِنْ فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلشَّامَ فَهَبْهُمَا لِي، فَقَالَ: هُمَا لَكَ. قَالَ: فَٱكْتُبْ لِي بِذَٰلِكَ، فَكَتَبَ لَهُ: ٱللَّهُ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ، هَٰذَا كِتَابٌۭ مِّنْ مُحَمَّدٍ رَّسُولِ ٱللَّهِ لِتَمِيمٍ بْنِ أَوْسٍ ٱلدَّارِيِّ، أَنَّ لَهُ قَرْيَةَ حُبْرَىٰ وَبَيْتَ عَيْنُونٍ قَرْيَتَهَا كُلَّهَا، وَسَهْلَهَا وَجَبَلَهَا وَمَاؤُهَا وَحَرْثَهَا وَأَنْبَاطَهَا وَبَقَرَهَا وَلِعَقِبِهِۦ مِنْ بَعْدِهِۦ، لَا يُجَاقُهُ فِيهَا أَحَدٌ، وَلَا يُلْحَدُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِظُلْمٍ، فَمَنَ ظَلَمَ وَأَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًۭا فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلَائِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. وَكَتَبَ عَلِيٌّ». فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ كَتَبَ شَمَّ كِتَابًۭا نُسْخَتُهُ: «بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ، هَٰذَا كِتَابٌۭ مِّنْ أَبِي بَكْرٍ أَمِينِ رَسُولِ ٱللَّهِ إِلَى ٱلَّذِي ٱسْتَخْلَفَ فِي ٱلْأَرْضِ، كَتَبَهُ لِلْدَّارِيِّينِ، أَنْ لَا يُفْسِدُوا۟ عَلَيْهِمْ مَا بِيَدِهِمْ مِنْ قَرْيَةِ حُبْرَىٰ وَعَيْنُونٍ، فَمَن كَانَ يَسْمَعُ وَيُطَبِّعُ لِلَّهِ فَلَا يُفْسِدْ مِنْهُمَا شَيْئًۭا، وَلْيَقُمْ عَمُودِيَّ ٱلْبَابَيْنِ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَسَعُهُمَا ٱلْمُفْسِدُونَ».
: لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ كُتَّابًا بِالْقَدَرِ الَّذِي يَحْتَاجُهُ فِي مُكَاتَبَاتِهِ، بَلْ إِنَّهُ يَصِلُ إِلَى حَدِّ الْوَاجِبِ إِنْ كَانَ لَا يَتِمُّ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ إِلَّا بِتَعْيِينِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُ السِّيرِ أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَوَالَيْ عِشْرِينَ كَاتِبًا، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودٍ؛ لِيَقْرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَتَبُوا۟ إِلَيْهِ، فَتَعَلَّمَهُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًۭا، وَرَوَىٰ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤَسِّسُ أَنْ يَسْتَكْتِبَ عَبْدَ اللَّهِ. -- : ابْنُ الْأَرْقَمِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثِ، وَكَانَ يُجِيبُ عَنْهُ الْمُلُوكُ...» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ ٱللَّهِ بْنِ عُمَرٍ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَتَىٰ النَّبِيَّ صَلَّىٰ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ بِكِتَابٍ، فَقَالَ لِعَبْدِ ٱللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ: أَجِبْ عَنِّْي، فَكَتَبَ جَوَابَهُ، ثُمَّ قَرَأَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ، ٱللَّهُمَّ وَفِّقْهُ». وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ٱلْمَدَائِنِ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمَةَ هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِوَفْدٍ مَرَّةً كِتَابًۭا عَنْ أَمْرِ رَسُولِ ٱللَّهِ صَلَّىٰ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَاتِبَ الْعُهُودِ إِذَا عَاهَدَ، وَالصُّلْحِ إِذَا صَالَحَ. وَكَانَ مَعِيقِيبٌ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ عَلَىٰ خَاتَمِهِۦ. خَرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدٍ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ جَدِّهِ مَعِيقِيبٍ قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ ٱللَّهِ صَلَّىٰ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوَنٍ عَلَيْهِ فِضَّةٍ، كَانَ بِيَدِي، وَكَانَ مَعِيقِيبٌ عَلَىٰ خَاتَمِ رَسُولِ ٱللَّهِ صَلَّىٰ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيْنِلَسْ هُوَ وَاقِعُ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقُومُ مَا مَعَاوِنُ التَّنْفِيذِ، فَهُوَ مَا دَامَ وَسِيلَةً بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَلِجْهَتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ جِهَازَ تَوْصِيلٍ مِنَ الْخَلِيفَةِ، وَجِهَازَ تَوْصِيلٍ إِلَى الْخَلِيفَةِ. وَمَعَ كَوْنِهِ جِهَازَ تَوْصِيلٍ فَإِنَّهُ يُلَاحِقُ مَا يَقْتَضِي الْمُلَاحَقَةَ مِنْ أَعْمَالِ جِهَازِ الدَّوْلَةِ.
وَالْخَلِيفَةُ هُوَ الْحَاكِمُ الْفِعْلِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ الْحُكْمَ، وَالتَّنْفِيذَ، وَرِعَايَةَ شُؤُونِ النَّاسِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ دَائِمُ الِاتِّصَالِ بِجِهَازِ الْحُكْمِ، وَبِالْعَلَاقَاتِ الدُّوَلِيَّةِ، وَبِالْأُمَّةِ، وَيَصْدُرُ أَحْكَامًا، وَيَتَّخِذُ قَرَارَاتٍ، وَيَقُومُ بِأَعْمَالِ رِعَايَةٍ، وَيُشْرِفُ عَلَى سَيْرِ جِهَازِ الْحُكْمِ، وَمَا يَعْتَرِضُهُ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ إِلَيْهِ يُرْفَعُ مَا يَرِدُ مِنَ الْأُمَّةِ مِنْ مَطَالِبَ، وَشَكَايَاتٍ، وَشُؤُونٍ، وَهُوَ يُتَابِعُ الْأَعْمَالَ الدُّوَلِيَّةَ. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ وَاقِعِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ أَنْ يَكُونَ مُعَاوِنُ التَّنْفِيذِ وَسِيلَةً فِيهَا، يُؤَدِّيهَا عَنِ الْخَلِيفَةِ، وَيُؤَدِّيهَا إِلَى الْخَلِيفَةِ. وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْخَلِيفَةِ إِلَى الْأَجْهِزَةِ، وَمَا يَرِدُ مِنَ الْأَجْهِزَةِ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَحْتَاجُ إِلَى مُتَابَعَةٍ لِتَنْفِيذِهِ، وَلِهَذَا كَانَ عَلَى مُعَاوِنِ التَّنْفِيذِ أَنْ يَقُومَ بِهَذِهِ الْمُتَابَعَةِ، حَتَّى يَتِمَّ التَّنْفِيذُ، فَيُتَابِعَ الْخَلِيفَةَ، وَيُتَابِعَ الْأَجْهِزَةَ، وَلَا يَكُفَّ عَنِ الْمُتَابَعَةِ إِلَّا إِذَا طَلَبَ الْخَلِيفَةُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْتَثِلَ لِأَمْرِهِ، وَأَنْ يَقِفَ عَنِ الْمُتَابَعَةِ، لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ هُوَ الْحَاكِمُ، وَأَمْرُهُ هُوَ النَّافِذُ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَيْشِ وَالْعَلَاقَاتِ الدُّوَلِيَّةِ فَهَذِهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا السِّرِّيَّةُ، وَهِيَ مِنِ اخْتِصَاصِ الْخَلِيفَةِ. وَلِهَذَا لَا يُلَاحِقُهَا، وَلَا يَتَابِعُ تَنْفِيذَهَا إِلَّا إِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَ شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنَّهُ يُلَاحِقُ مَا طَلَبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَهُ فَقَطْ، وَلَا يُلَاحِقُ غَيْرَهُ.
وَأَمَّا الْعَلَاقَاتُ مَعَ الرَّعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ رِعَايَتُهَا، وَتَنْفِيذِ طَلَبَاتِهَا، وَرَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهَا، فَهِيَ مِنْ شَأْنِ الْخَلِيفَةِ، وَمَنْ يُنِيبُهُ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ مُعَاوِنِ التَّنْفِيذِ، فَلَا يَقُومُ بِالْمُلَاحَقَةِ إِلَّا فِيمَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَهُ مِنْهَا. فَعَمَلُهُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا الْأَدَاءُ، وَلَيْسَ الْمُلَاحَقَةَ. وَهَذَا كُلُّهُ تَبَعًا لِوَاقِعِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا الْخَلِيفَةُ، وَبِالتَّالِي الَّتِي يَقُومُ بِهَا مُعَاوِنُ التَّنْفِيذِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ أَعْمَالِ وَزِيرِ التَّنْفِيذِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ ﷺ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (وَوَزِيرُ التَّنْفِيذِ هُوَ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْكَاتِبِ فِي لُغَةِ الْعَصْرِ):
1- الْعَلَامَاتُ الدُّوَلِيَّةُ. وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ عَلَيْهَا:
• صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ، وَفِيهِ: «فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ الْكَاتِبَ...». وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: «وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ، زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ، وَفِيهِ: وَقَالَ: اكْتُبُوا...» وَلَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الْكَاتِبِ. وَرَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ قَالَ: «وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ... ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: اكْتُبْ...».
وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: «... فَقَالَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ يَا عَلِيُّ...». وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَفِيهِ: «... اكْتُبْ يَا عَلِيُّ...». وَنَصُّ هَذَا الصُّلْحِ مَشْهُورٌ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ هُنَا.
• كِتَابُهُ ﷺ إِلَى هِرَقْلَ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَةَ، وَلَفْظُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ».
• كِتَابُ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَدًّا عَلَى كِتَابِهِ. أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ: «... وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ مُسْلِمٌ...».
وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِدَنَانِيرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَرَأَ الْكِتَابَ: «كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَلَكِنَّهُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ». قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ بَكْرٍ.
• كِتَابُ أَهْلِ مَنَبِجَ إِلَى عُمَرَ وَرَدُّهُ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ:
«وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَهْلَ مَنَبِجَ - قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَرَاءَ الْبَحْرِ - كَتَبُوا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : دَعْنَا نَدْخُلْ أَرْضَكَ تِجَارَةً وَنُعَشِّرْنَا. قَالَ: فَشَاوَرَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِهِ، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ عُشِّرَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ».
الجَيْشُ أَوِ الجُنْدُ. وَمِنْ مُكَاتَبَاتِهِ:
• كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ يَأْمُرُهُ بِالمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: «وَكَانَ خَالِدٌ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ الْحِيرَةَ دَارًا يُقِيمُ فِيهَا، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ مَدَدًا لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْمُسْلِمِينَ...».
• اسْتِمْدَادُ الْأَجْنَادِ بِالشَّامِ وَكِتَابُهُ إِلَيْهِمْ:
رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِيَاضًا الْأَشْعَرِيَّ يَقُولُ: «شَهِدْتُ الْيَرْمُوكَ وَعَلَيْنَا سِتَّةُ أُمَرَاءَ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ حَسْنَةَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعِيَاضٌ، وَلَيْسَ عِيَاضٌ هَذَا بِالَّذِي يُحَدِّثُ سِمَاكًا». قَالَ: «وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ». قَالَ: «فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ وَاسْتَمْدَدْنَاهُ. فَكَتَبَ إِلَيْنَا: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونَ، وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ».
وَالْخَلِيفَةُ هُوَ الْحَاكِمُ الْفِعْلِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ الْحُكْمَ، وَالتَّنْفِيذَ، وَرِعَايَةَ شُؤُونِ النَّاسِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ دَائِمُ الِاتِّصَالِ بِجِهَازِ الْحُكْمِ، وَبِالْعَلَاقَاتِ الدُّوَلِيَّةِ، وَبِالْأُمَّةِ، وَيَصْدُرُ أَحْكَامًا، وَيَتَّخِذُ قَرَارَاتٍ، وَيَقُومُ بِأَعْمَالِ رِعَايَةٍ، وَيُشْرِفُ عَلَى سَيْرِ جِهَازِ الْحُكْمِ، وَمَا يَعْتَرِضُهُ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ إِلَيْهِ يُرْفَعُ مَا يَرِدُ مِنَ الْأُمَّةِ مِنْ مَطَالِبَ، وَشَكَايَاتٍ، وَشُؤُونٍ، وَهُوَ يُتَابِعُ الْأَعْمَالَ الدُّوَلِيَّةَ. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ وَاقِعِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ أَنْ يَكُونَ مُعَاوِنُ التَّنْفِيذِ وَسِيلَةً فِيهَا، يُؤَدِّيهَا عَنِ الْخَلِيفَةِ، وَيُؤَدِّيهَا إِلَى الْخَلِيفَةِ. وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْخَلِيفَةِ إِلَى الْأَجْهِزَةِ، وَمَا يَرِدُ مِنَ الْأَجْهِزَةِ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَحْتَاجُ إِلَى مُتَابَعَةٍ لِتَنْفِيذِهِ، وَلِهَذَا كَانَ عَلَى مُعَاوِنِ التَّنْفِيذِ أَنْ يَقُومَ بِهَذِهِ الْمُتَابَعَةِ، حَتَّى يَتِمَّ التَّنْفِيذُ، فَيُتَابِعَ الْخَلِيفَةَ، وَيُتَابِعَ الْأَجْهِزَةَ، وَلَا يَكُفَّ عَنِ الْمُتَابَعَةِ إِلَّا إِذَا طَلَبَ الْخَلِيفَةُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْتَثِلَ لِأَمْرِهِ، وَأَنْ يَقِفَ عَنِ الْمُتَابَعَةِ، لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ هُوَ الْحَاكِمُ، وَأَمْرُهُ هُوَ النَّافِذُ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَيْشِ وَالْعَلَاقَاتِ الدُّوَلِيَّةِ فَهَذِهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا السِّرِّيَّةُ، وَهِيَ مِنِ اخْتِصَاصِ الْخَلِيفَةِ. وَلِهَذَا لَا يُلَاحِقُهَا، وَلَا يَتَابِعُ تَنْفِيذَهَا إِلَّا إِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَ شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنَّهُ يُلَاحِقُ مَا طَلَبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَهُ فَقَطْ، وَلَا يُلَاحِقُ غَيْرَهُ.
وَأَمَّا الْعَلَاقَاتُ مَعَ الرَّعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ رِعَايَتُهَا، وَتَنْفِيذِ طَلَبَاتِهَا، وَرَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهَا، فَهِيَ مِنْ شَأْنِ الْخَلِيفَةِ، وَمَنْ يُنِيبُهُ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ مُعَاوِنِ التَّنْفِيذِ، فَلَا يَقُومُ بِالْمُلَاحَقَةِ إِلَّا فِيمَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُلَاحِقَهُ مِنْهَا. فَعَمَلُهُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا الْأَدَاءُ، وَلَيْسَ الْمُلَاحَقَةَ. وَهَذَا كُلُّهُ تَبَعًا لِوَاقِعِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا الْخَلِيفَةُ، وَبِالتَّالِي الَّتِي يَقُومُ بِهَا مُعَاوِنُ التَّنْفِيذِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ أَعْمَالِ وَزِيرِ التَّنْفِيذِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ ﷺ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (وَوَزِيرُ التَّنْفِيذِ هُوَ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْكَاتِبِ فِي لُغَةِ الْعَصْرِ):
1- الْعَلَامَاتُ الدُّوَلِيَّةُ. وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ عَلَيْهَا:
• صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ، وَفِيهِ: «فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ الْكَاتِبَ...». وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: «وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ، زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ، وَفِيهِ: وَقَالَ: اكْتُبُوا...» وَلَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الْكَاتِبِ. وَرَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ قَالَ: «وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ... ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: اكْتُبْ...».
وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: «... فَقَالَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ يَا عَلِيُّ...». وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَفِيهِ: «... اكْتُبْ يَا عَلِيُّ...». وَنَصُّ هَذَا الصُّلْحِ مَشْهُورٌ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ هُنَا.
• كِتَابُهُ ﷺ إِلَى هِرَقْلَ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَةَ، وَلَفْظُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ».
• كِتَابُ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَدًّا عَلَى كِتَابِهِ. أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ: «... وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ مُسْلِمٌ...».
وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِدَنَانِيرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَرَأَ الْكِتَابَ: «كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَلَكِنَّهُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ». قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ بَكْرٍ.
• كِتَابُ أَهْلِ مَنَبِجَ إِلَى عُمَرَ وَرَدُّهُ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ:
«وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَهْلَ مَنَبِجَ - قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَرَاءَ الْبَحْرِ - كَتَبُوا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : دَعْنَا نَدْخُلْ أَرْضَكَ تِجَارَةً وَنُعَشِّرْنَا. قَالَ: فَشَاوَرَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِهِ، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ عُشِّرَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ».
الجَيْشُ أَوِ الجُنْدُ. وَمِنْ مُكَاتَبَاتِهِ:
• كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ يَأْمُرُهُ بِالمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: «وَكَانَ خَالِدٌ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ الْحِيرَةَ دَارًا يُقِيمُ فِيهَا، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ مَدَدًا لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْمُسْلِمِينَ...».
• اسْتِمْدَادُ الْأَجْنَادِ بِالشَّامِ وَكِتَابُهُ إِلَيْهِمْ:
رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِيَاضًا الْأَشْعَرِيَّ يَقُولُ: «شَهِدْتُ الْيَرْمُوكَ وَعَلَيْنَا سِتَّةُ أُمَرَاءَ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ حَسْنَةَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعِيَاضٌ، وَلَيْسَ عِيَاضٌ هَذَا بِالَّذِي يُحَدِّثُ سِمَاكًا». قَالَ: «وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ». قَالَ: «فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ وَاسْتَمْدَدْنَاهُ. فَكَتَبَ إِلَيْنَا: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونَ، وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ».
0 comments:
Posting Komentar